وقصة المليحة صاحبة الخمار الأسود مشهورة وهي من خير ما يتمثّل به ويرويها الاصمعي فيقول: «قدم أعرابي بعدل من خمر العراق فباعها كلها إلا السّود فشكا ذلك الى الدارمي (وهو مسكين الدارمي الشاعر) وكان قد تنسّك وترك الشعر ولزم المسجد فقال:
ما تجعل لي؟ على أن أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلها على حكمك.
قال ما شئت. قال: فعمد الدارمي الى ثياب نسكه فألقاها عنه وعاد الى مثل شأنه الاول وقال شعرا ورفعه الى صديق له من المغنين فغنّى به وكان الشعر:
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا فعلت بناسك متعبّد
قد كان شمر للصلاة ثيابه ... حتى خطرت له بباب المسجد
ردّي عليه صلاته وصيامه ... لا تقتليه بحق دين محمد
فشاع هذا الغناء في المدينة وقالوا: قد رجع الدارمي وتعشّق صاحبة الخمار الأسود فلم تبق مليحة في المدينة إلا اشترت خمارا أسود وباع التاجر جميع ما كان معه فجعل اخوان الدارمي من النساك يمرون فيقون: ما صنعت فيقول ستعلمون بعد حين فلما أنفد العراقي جميع ما كان معه رجع الدارمي الى نسكه ولبس ثيابه.
هذا ولو أردنا استقصاء ما ورد في هذا الباب من التأثير العجيب لطال بنا البحث ولكنا اكتفينا بما أوردناه لئلا نخرج عن الموضوع.