وعلى كل حال فهي معطوفة على الاسم قبلها أو المصدر المنسبك منها ومن الفعل معطوف عليه، وشجب الزمخشري كونها مصدرية. (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) منسوق أيضا على ما تقدم والتنكير في نفس لإرادة الجنس كأنه قال وواحدة من النفوس (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) الفاء عاطفة وألهمها فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به وفجورها مفعول به ثان وتقواها عطف على فجورها، وقد اختلفوا في معنى الإلهام قال ابن جبير ألزمها، وقال ابن عباس عرفها، وقال ابن زيد: بين لها، وقال الزجّاج وفّقها للتقوى وألهمها فجورها أي خذلها وقيل عرفها وجعل لها قوة يصحّ معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى، وقال الزمخشري:
«ومعنى إلهام الفجور والتقوى إفهامها وإعقالها وأن أحدهما حسن والآخر قبيح وتمكينه من اختيار ما شاء منهما» وفيه تلميح إلى مذهب المعتزلة القائل بالتحسين والتقبيح العقليين أي إن الحسن والقبح مدركان بالعقل، أما أهل السنّة فيقولون بالتحسين والتقبيح الشرعيين أي إن الحسن والقبح لا يدركان إلا بالسمع لأنهما راجعان إلى الأحكام الشرعية مع عدم إلغاء خط العقل من إدراك الأحكام الشرعية وعندهم أنه لا بدّ في علم كل حكم شرعي من مقدمتين عقلية وهي الموصلة إلى العقيدة وسمعية مفرغة عليها وهي الدالّة على خصوص الحكم.
هذا والإلهام في اللغة إلقاء الشيء في الروع، قال الراغب: ويختص بما يكون من جهته تعالى وجهة الملأ الأعلى، قال تعالى: فألهمها فجورها وتقواها، فعلم أنه غير مختص بالخير بل يعمّه والشر، وفي الاصطلاح إلقاء معنى في القلب بطريق الفيض من غير كسب فيختصّ بالخير لعدم إطلاق الفيض في الشرّ بل يطلق فيه الوسوسة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) الجملة جواب القسم وحذفت اللام لطول الكلام وقيل الجواب محذوف تقديره لتبعثنّ وقال الزمخشري: «تقديره ليدمدمنّ الله عليهم أي على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلّى الله