وقد رمق الشعراء سماء هذا المعنى وكان السابق في هذا الميدان أبا تمام الطائي في قصيدته فتح الفتوح التي مدح بها المعتصم بالله، ووصف وقعة عمورية، وقد قالها سنة مئتين وثلاث وعشرين للهجرة.
وعمّورية من أعظم بلاد الروم في آسية الصغرى. وكان السبب في زحف المعتصم إليها أن تيوفيل بن ميخائيل ملك الروم خرج الى بلاد المسلمين فبلغ زبطرة، وهي بلدة في آسية الصغرى بين ملطية وسميساط، وفيها ولد المعتصم، فاستباحها قتلا وسبيا، ثم أغار على ملطيه وغيرها، فقتل وسبى ومثّل بالأسرى. وبلغ الخبر المعتصم فاستعظمه، وقيل: إن عربية صاحت وهي في أيدي الروم: وا معتصماه! فأجاب وهو على سريره: لبيك، لبيك. ونهض ونادى بالنفير وسار الى عمورية. وتقول الرواية العربية: إنها المدينة التي ولد فيها تيوفيل، وحاصرها واستدل على عورة في السور فرمى السور من هذه الناحية فتصدع، ودخل العرب المدينة، وذبحوا سكانها وأحرقوها وسبوا نساءها وأولادها، وكان أبو تمام في صحبته وشهد الواقعة بنفسه، وكان المنجمون قد زعموا للمعتصم أن الزمان لا يوافق الفتح، وأن المدينة لا تفتح إلا في وقت نضج التين والعنب، فلم يسمع المعتصم لقولهم وسار بجيشه ففتحها. ونجد أبا تمام يتحدث عن هذا كله في قصيدته فكأنها سجل تاريخي لهذه الموقعة العظيمة، وقد استهلها بقوله:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب