وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْكِفَايَةُ لابن الرفعة، وَشَرْحُ الْمِنْهَاجِ للسبكي، وَالْمُهِمَّاتُ، وَالْخَادِمُ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَقْطَعَ أَحَدًا مَوْضِعًا مِنَ الشَّارِعِ كَانَ الْمُقْطَعُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِلِارْتِفَاقِ خَاصَّةً دُونَ التَّمَلُّكِ وَالْبِنَاءِ، وَأَنَّهُ لَوْ جَاءَ أَحَدٌ بَعْدَ صُدُورِ الْإِقْطَاعِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَجَلَسَ فِيهِ أُزْعِجُ مِنْهُ وَلَا يُقَرُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْطَعُ غَائِبًا عَنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَمْتِعَتُهُ، فَإِنْ قُلْتَ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ أَحَدٌ وَتَعَدَّى وَجَلَسَ لَمْ يُمْنَعْ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَهُوَ الْمُتَحَجِّرُ قَالُوا أَنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَعَدَّى غَيْرُهُ وَبَنَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سِوَى الْإِثْمِ وَيَمْلِكُ الْبَقِيَّةَ بِالْإِحْيَاءِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ هُنَا لَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِثْمِ وَلَا يُزْعَجُ، قُلْتُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ مُفَصَّلًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ فَنَقُولُ فِي هَذَا الْفَرْعِ: الْمَسْؤُولُ عَنْهُ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ كَالْمُتَحَجِّرِ زِيَادَةٌ زَادَهَا الزركشي، وَلَيْسَتْ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ عِنْدَ سِيَاقِ عِبَارَاتِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُرَدُّ أَصْلًا السُّؤَالُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَوَجُّهِهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِوَاءُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي الْأَحَقِّيَّةِ فَقَطْ لَا فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ أَيْضًا مِنْ حُصُولِ مُتَعَدٍّ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَحَقِّيَّةِ وَهَذَا وَاضِحٌ. الثَّانِي: الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَجِّرِ الْبُقْعَةُ فِيهَا تَقْبَلُ التَّمَلُّكَ، فَإِذَا وَجَدَ الْإِحْيَاءَ الَّذِي هُوَ أَقْوَى سَبَبًا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَقُدِّمَ عَلَى التَّحَجُّرِ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ نَسْخِ السَّبَبِ الضَّعِيفِ لِوُجُودِ أَقْوَى مِنْهُ، وَنَظِيرُهُ إِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَطُرُوءُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَرِ، وَتَقْدِيمُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشَّارِعِ فَالْبُقْعَةُ فِيهَا لَا تَقْبَلُ التَّمَلُّكَ، فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ أَقْوَى يُقَدَّمُ عَلَى هَذَا السَّبَبِ فَتَمَسَّكْنَا بِالسَّبَبِ السَّابِقِ الَّذِي هُوَ إِقْطَاعُ الْإِمَامِ وَأُلْغِيَ كُلُّ مَا طَرَأَ بَعْدَهُ، الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ عَقِبَ هَذَا التَّشْبِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ بِالْإِحْيَاءِ يَجْرِي مَجْرَى الْقَيْدِ لِمَحَلِّ التَّشْبِيهِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ كَالْمُتَحَجِّرِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُخْرِجَةً لِتِلْكَ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُتَحَجِّرِ وَهُوَ تَعَدِّي شَخْصٍ عَلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَأْتِي هُنَا، وَيَكُونُ إِخْرَاجُهَا مِنْ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ لَا مِنْ مَفْهُومِهِ، وَلِهَذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: لِأَحَدٍ، الدَّالِّ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ، أَيْ لِلْمُقْطَعِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُقْطَعَ وَغَيْرَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَبِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عُرِفَ أَنَّ الْعِبَارَةَ لَا تُعْطِي ذَلِكَ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورَ، وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْمُتَحَجِّرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَمْلِكِ الْبُقْعَةَ بِالتَّحَجُّرِ وَكَذَلِكَ هُوَ لَا يَمْلِكُ الْبُقْعَةَ بِالْإِقْطَاعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute