وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ بِالْإِحْيَاءِ جَارٍ مَجْرَى التَّفْسِيرِ لَا مَجْرَى التَّقْيِيدِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَذَكَرَ الرافعي فِي الْجِنَايَاتِ إِلَى قَوْلِهِ وَهَذَا ذُهُولٌ سَبَقَهُ إِلَيْهِ ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ، ثُمَّ السبكي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: ثُمَّ الأسنوي فِي الْمُهِمَّاتِ: فَاعْتَمَدَهُ الزركشي هُنَا، وَحَاوَلَ فِي الْخَادِمِ التَّأْوِيلَ وَالْجَمْعَ بَيْنَ كَلَامِ الرافعي، وَنَحْنُ نَسُوقُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَلْ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ فِيهِ مَدْخَلٌ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَعَمْ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَظَرًا، وَلِهَذَا يُزْعَجُ مَنْ أَضَرَّ جُلُوسُهُ، وَأَمَّا تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ بِحَالٍ، وَحُكِيَ وَجْهٌ فِي الرَّقْمِ للعبادي وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ لأبي طاهر أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنَ الشَّوَارِعِ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الطُّرُقِ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ - هَذِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، فَانْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَهُ كَالْمُتَحَجِّرِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ: الْقَطَائِعُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا: مَا يُمْلَكُ وَهُوَ مَا مَضَى مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ. وَالثَّانِي: إِقْطَاعُ إِرْفَاقٍ لَا تَمَلُّكَ فِيهِ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَيَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهُ لَكِنَّهُ لَا يُمَلِّكُهُ بَلْ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ، وَيَمْنَعُ أَنْ يَبْنِيَ دَكَّةً لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ الطَّرِيقَ وَيَضُرُّ بِالضَّرِيرِ وَبِالْبَصِيرِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَقْطَعَ السُّلْطَانُ مَوْضِعًا كَانَ أَحَقَّ بِهِ سَوَاءٌ نَقَلَ مَتَاعَهُ إِلَيْهِ أَوْ لَمْ يَنْقُلْ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ النَّظَرَ وَالِاجْتِهَادَ، وَإِذَا أَقْطَعَهُ ثَبَّتَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الخوارزمي فِي الْكَافِي: الْقَطَائِعُ ضَرْبَانِ إِقْطَاعُ إِرْفَاقٍ، وَإِقْطَاعُ تَمَلُّكٍ، أَمَّا إِقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ إِنْسَانٍ مَوْضِعًا مِنْ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ لِيُجْلَسَ فِيهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَجُوزُ إِذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَوْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ مَوْضِعًا مِنْهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَكُونُ أَوْلَى بِهِ نَقَلَ مَتَاعَهُ إِلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَنْقُلْ، وَلَوْ قَامَ عَنْهُ أَوْ غَابَ عَنْهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ عَادَ كَانَ أَوْلَى بِهِ، وَلَوْ قَعَدَ فِيهِ بِالسَّبْقِ مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ كَانَ أَوْلَى بِهِ مَا دَامَ هُوَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ قَامَ وَتَرَكَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إِزْعَاجُهُ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ فِيهِ شَيْئًا فَسَبَقَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ تَمَّ بِالْإِقْطَاعِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الذَّهَابِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ هَاهُنَا بِكَوْنِهِ فِيهِ وَقَدْ زَالَ - هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، انْتَهَى كَلَامُ الخوارزمي بِحُرُوفِهِ.
فَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُقْطَعَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَوْ قَامَ أَوْ غَابَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مَتَاعٌ، وَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ الْجُلُوسَ فِيهِ فِي غَيْبَتِهِ أُزْعِجُ بِخِلَافِ مَنْ قَعَدَ بِالسَّبْقِ مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ إِذَا قَامَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِبَقَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الذَّهَابِ بِالْإِقْطَاعِ وَهَذَا مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute