للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ، وَفِي حُكْمِ نَظَرِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ مَقْصُورٌ عَلَى كَفِّهِمْ عَنِ التَّعَدِّي وَمَنْعِهِمْ مِنِ الْإِضْرَارِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ التَّشَاجُرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ جَالِسًا، وَلَا أَنْ يُقَدِّمَ مُؤَخَّرًا، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَكَانِ أَحَقَّ بِهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ نَظَرُ مُجْتَهِدٍ فِيمَا يَرَاهُ صَلَاحًا مِنْ إِجْلَاسِ مَنْ يُجْلِسُهُ وَمَنْعِ مَنْ يَمْنَعُهُ وَتَقْدِيمِ مَنْ يُقَدِّمُهُ كَمَا يَجْتَهِدُ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَإِقْطَاعِ الْمَوَاتِ، وَلَا يَجْعَلُ السَّابِقَ أَحَقَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ عَلَى الْجُلُوسِ أَجْرًا، وَإِذَا تَارَكَهُمْ عَلَى التَّرَاضِي كَانَ السَّابِقُ إِلَى الْمَكَانِ أَحَقَّ مِنَ الْمَسْبُوقِ انْتَهَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ فَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ السَّابِقَ لَا يُجْعَلُ أَحَقَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَقْدِيمًا لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ، وَقَالَ السبكي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَهَلْ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَدْخَلٌ فِي الشَّوَارِعِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، وَرَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا فِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِي الْمَوْضِعِ هَلْ هُوَ مُضِرٌّ أَوْ لَا؟ وَلِهَذَا يُزْعِجُ مَنْ رَأَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا، وَإِنَّمَا يُزْعِجُهُ الْإِمَامُ، وَإِذَا كَانَ لِاجْتِهَادِهِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَكَذَلِكَ لِإِقْطَاعِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الجوري، والقفال، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْإِقْطَاعِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَأَشْبَهَتِ الْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّمْلِيكِ فِيهَا فَلَا مَعْنَى لِلْإِقْطَاعِ بِخِلَافِ الْمَوَاتِ، قَالَ الرافعي: وَلِلنِّزَاعِ فِيهِ مَجَالٌ فِي قَوْلِهِ لَا مَدْخَلَ لِلتَّمْلِيكِ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي الرَّقْمِ للعبادي، وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الجويني لابن طاهر رِوَايَةَ وَجْهٍ: أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنَ الشَّوَارِعِ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الطُّرُقِ، وَزَادَ الرافعي فَقَالَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: فِيمَا إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي شَارِعٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، والروياني، وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا ضَمَانَ، وَجَوَّزُوا أَنْ يُخَصِّصَ الْإِمَامُ قِطْعَةً مِنَ الشَّارِعِ بِبَعْضِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ إِقْطَاعَ الْإِمَامِ هَلْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الشَّوَارِعِ؟ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: نَعَمْ وَجَوَّزُوا لِلْمُقْطَعِ أَنَّ يَبْنِيَ فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ، هَذَا كَلَامُهُ فِي الْجِنَايَاتِ، قَالَ السبكي: وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَوْلُهُ: بَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا نَعَمْ يُرِيدُ بِهِ تَجْوِيزَ الْإِقْطَاعِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: وَجَوَّزُوا لِلْمُقْطَعِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ بِنَاءِ دَكَّةٍ فِي الشَّارِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ، وَقَوْلُهُ وَيَتَمَلَّكُهُ لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ إِلَّا عَلَى مَا حَكَاهُ هُنَا عَنِ الرَّقْمِ، وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الجويني وَهُوَ وَجْهٌ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>