فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ، قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرافعي لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْجِنَايَاتِ طَالَ عَهْدُهُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الصُّلْحِ وَفِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَمْ يُحَرِّرْهُ، قَالَ ابن الرفعة: وَكَيْفَ قُدِّرَ فَهُوَ بَعِيدٌ إِلَّا إِذَا جَهِلَ السَّبَبَ الَّذِي صَارَ بِهِ الشَّارِعُ شَارِعًا وَإِذَا جَهِلَ السَّبَبَ، وَمِنْهُ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ التَّمَلُّكُ جَزْمًا، وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُقْدِمُ عَلَى تَمْلِيكِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّارِعَ وَإِنِ اتَّسَعَ فِي وَقْتٍ قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ آخَرَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ أَضْيَقَ وَهُوَ مَوْضُوعٌ شَارِعًا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ، قَالَ السبكي: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابن الرفعة صَحِيحٌ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَوَّزْنَا الْإِقْطَاعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالِارْتِفَاقِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ: وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِقْطَاعَ قِسْمَانِ: إِقْطَاعُ إِرْفَاقٍ: وَهُوَ هَذَا، وَإِقْطَاعُ تَمْلِيكٍ: وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاتِ لِيَتَمَلَّكَ بِالْإِحْيَاءِ، فَالشَّارِعُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَوَاتِ فِيمَا عَدَا الْمُرُورَ وَنَحْوَهُ لَا يَدْخُلُهُ الْإِحْيَاءُ وَلَا الْحِمَى وَلَا إِقْطَاعُ التَّمْلِيكِ، ثُمَّ قَالَ السبكي: فَرْعٌ عَنِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ: إِذَا قُلْنَا بِدُخُولِ الْإِقْطَاعِ فَلَا يَجْعَلُ السَّابِقَ أَحَقَّ، قَالَ: فَإِنْ أَرَادَ السَّابِقَ بَعْدَ الْإِقْطَاعِ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ بِالْإِقْطَاعِ صَارَ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ، وَأَمَّا إِذَا سَبَقَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِقْطَاعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْإِقْطَاعُ لِغَيْرِهِ مَا دَامَ حَقُّهُ بَاقِيًا، وَلَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّبْقَ مُوجِبٌ لِلْأَحَقِّيَّةِ قَطْعًا بِالْحَدِيثِ، وَالْإِقْطَاعَ مُوجِبٌ لِلْأَحَقِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ تَعَارَضَا قَدَّمَ الْأَقْدَمَ تَارِيخًا، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُمَا حَصَلَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ السَّبْقِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا لَمْ نُقَدِّمْهُ بَعْدَ الْإِقْطَاعِ لِأَنَّا نَجْعَلُ الْإِقْطَاعَ سَبْقًا، انْتَهَى كَلَامُ السبكي.
فَانْظُرْ كَيْفَ نَقَلَ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ السَّابِقَ مَعَ الْإِقْطَاعِ لَا حَقَّ لَهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى السَّابِقِ بَعْدَ صُدُورِ الْإِقْطَاعِ، وَقَالَ: إِنَّهُ صَحِيحٌ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ بِالْإِقْطَاعِ صَارَ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ وَبِأَنَّا نَجْعَلُ الْإِقْطَاعَ سَبْقًا، وَهُوَ عَيْنُ مَا نَقَلْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: فِي بَقِيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الرافعي قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ بَعْدَ سِيَاقِ كَلَامَيْهِ: وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ - يَعْنِي فِي الْجِنَايَاتِ - سَهْوٌ فَإِنَّهُ أَحَالَ عَلَى الْمَذْكُورِ هُنَا فَأَطْلَقَ الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ إِمْعَانٍ، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ كَلَامَ الرافعي، وَكَلَامَ ابن الرفعة فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً؟ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إِذَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ فَهَلْ لِلْمُقْطَعِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ إِذَا بَنَى فِيهِ، وَالْأَصَحُّ نَعَمْ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجِنَايَاتِ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute