للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْطَاعَ بِمَثَابَةِ إِقْطَاعِ الْمَوَاتِ إِذَا بَنَى فِيهِ تَمَلَّكَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْلِكَهُ ابْتِدَاءً، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: يَمْنَعُ مِنْ هَذَا حَوَالَةُ الرافعي فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى الْمَذْكُورِ هُنَا وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا التَّمَلُّكَ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّمْلِيكَ قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ هُنَا جَوَازَ الْإِقْطَاعِ، وَمِنْ لَازِمِهِ جَوَازُ التَّمَلُّكِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا اللَّازِمِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَأَيْضًا فَلَمْ يَقُلْ فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بَلْ يَتَمَلَّكُهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْإِحْيَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَفِيمَا نَقَلَهُ هُنَاكَ عَنِ الْأَكْثَرِينَ نَظَرٌ، أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُمْ جَوَّزُوا فِيهِ الْبِنَاءَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ إِلَّا عَلَى تَجْوِيزِ بِنَاءِ دَكَّةٍ فِي الشَّارِعِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ فِي بَابِ الصُّلْحِ الْمَنْعُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُمْ جَوَّزُوا تَمَلُّكَهُ فَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا عَلَى مَا حَكَاهُ هُنَا عَنِ الرَّقْمِ وَهُوَ وَجْهٌ غَرِيبٌ اهـ.

قُلْتُ: حَطَّ مَحَطَّ كَلَامِ الْخَادِمِ عَلَى إِبْقَاءِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الرافعي، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حَاوَلَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَوَجَدَهَا لَا تَتَمَشَّى عَلَى الرَّاجِحِ فَرَجَعَ إِلَى مُوَافَقَةِ الْمُعْتَرِضِينَ، وَأَقُولُ: لَا بَأْسَ بِتَأْوِيلِ كَلَامِ الرافعي عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ نِسْبَةَ الذُّهُولِ وَالسَّهْوِ إِلَيْهِ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْجِنَايَاتِ وَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ أَوِ الْقَوْلَانِ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ إِقْطَاعَ الْإِمَامِ هَلْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الشَّوَارِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: نَعَمْ وَجَوَّزُوا لِلْمُقْطَعِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ انْتَهَى.

فَمَحْمَلُ الْإِيرَادِ هُنَا إِجْرَاءُ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَجَوَّزُوا مَعْطُوفٌ عَلَى قَالُوا فَيَكُونُ مَنْسُوبًا لِلْأَكْثَرِينَ، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَتَمَلَّكُهُ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَى الشَّارِعِ، كَمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ، وَيَنْدَفِعُ الْأَوَّلُ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَجَوَّزُوا مُسْتَأْنَفًا لَا مَعْطُوفًا عَلَى خَبَرِ أَنْ فَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ لَا غَرِيبٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُصَحَّحَ، وَالْقَصْدُ بِسِيَاقِ ذَلِكَ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى بِنَاءِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي إِقْطَاعِ الْإِمَامِ لِلشَّارِعِ، وَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ فِي الشَّارِعِ، وَيُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ مِنَ الِاسْتِئْنَافِ وَعَدَمِ الْعَطْفِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبِنَاءِ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَإِنَّمَا هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَابِ الصُّلْحِ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بالرافعي أَنَّهُ يَعْزُو إِلَى بَابٍ مَسْأَلَتَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِحْدَاهُمَا، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الَّذِي عَزَاهُ إِلَى إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ إِقْطَاعِ الْإِمَامِ فَقَطْ وَهِيَ الَّتِي حَكَى فِيهَا هُنَاكَ عَنِ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ، وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ كَلَامًا آخَرَ عَلَى طَرِيقِ التَّذْيِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>