للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِلْغَاءِ الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ حَمْلَهَا عَلَى حَجْبِ كُلِّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ فَقَطْ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ إِذْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ فِي لَفْظِ الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ تَأْكِيدٌ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ، وَهَذَا كَلَامُ السبكي فِي أَحَدِ الْمَوَاضِعِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ خَالَفَهُ وَأَفْتَى بِالْمُشَارَكَةِ وَحَمَلَ حَجْبَ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا السُّفْلَى عَلَى حَجْبِ كُلِّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ لَا عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الطَّبَقَتَيْنِ، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ، وَأَطَالَ السبكي الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَحَلُّ بَسْطَهُ وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ ولي الدين العراقي، فَأَفْتَى فِي صُورَةٍ نَظِيرِ هَذِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أَيْضًا وَعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ تَقْدِيمًا لِأَقْرَبِ الطَّبَقَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِالْمُشَارَكَةِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ: وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، إِلَى آخِرِهِ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّا لَا نَخُصُّ عُمُومَ حَجْبِ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا السُّفْلَى بِهَذَا الْمَفْهُومِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ، وَإِنَّمَا نَخُصُّهُ بِأَحَدِ الْمُخَصِّصَاتِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا إِذَا مَاتَ عَنْ نَصِيبٍ وَلَهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إِلَيْهِ، هَذَا كَلَامُ الشيخ ولي الدين.

وَاعْلَمْ أَنَّ السبكي إِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي جَوَابِهِ عَلَى جُمْلَةِ: تَحْجُبُ الْعُلْيَا السُّفْلَى، فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ سُؤَالِهِ غَيْرُهُ، وَنَحْنُ اعْتَمَدْنَا فِي جَوَابِنَا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَمْرٍ ثَانٍ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ تَنْصِيصُ الْوَاقِفِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ إِلَى الْمُتَوَفَّى عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ مَاتَ عَنْ نَصِيبٍ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَبَيَانُ كَوْنِ هَذَا أَقْوَى أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ ثَلَاثَةٌ: نَصٌّ وَظَاهِرٌ وَمُحْتَمَلٌ، فَالنَّصُّ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْآخَرِ، وَالْمُحْتَمَلُ مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ، وَمَرْتَبَتُهَا فِي الْقُوَّةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَأَنَّهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ يُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ.

وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ فِي هَذَا الْوَقْفِ، فَالنَّصُّ قَوْلُهُ: فِيمَنْ مَاتَ عَنْ نَصِيبٍ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ أَسْفَلُ مِنْهُ، أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إِلَى الْمُتَوَفَّى، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، وَالظَّاهِرُ قَوْلُهُ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى، فَإِنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرَادَ حَجْبُ كُلِّ أَعْلَى لِكُلِّ أَسْفَلَ، وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ حَجْبُ كُلِّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ فَقَطْ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَظْهَرُ؛ لِمَا ذَكَرَهُ السبكي مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ لَا فَائِدَةَ لَهُ إِلَّا التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ أَرْجَحُ مِنَ التَّأْكِيدِ، وَقَدْ تَوَافَقَ فِي هَذَا الْوَقْفِ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ مَعًا مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ، وَالْمُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ: اسْتَحَقَّ مُطْلَقًا مَعَ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَمَعَ مَنْ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>