للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ الْوَلَاءَ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ: أَصْلُ الْبَابِ أَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ لَا يَرِثُونَ الْوَلَاءَ كَمَا يَرِثُونَ الْأَمْلَاكَ وَحُقُوقَهَا وَإِنَّمَا يَرِثُونَ بِالْوَلَاءِ بِانْتِسَابِهِمْ إِلَى الْمُعْتِقِ، فَمُقْتَضَى الْعُصُوبَةِ الْمَحْضَةِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ الْوَلَاءَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَوْ كَانَ مَوْرُوثًا لَاقْتَضَى الْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالْإِرْثِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ الرافعي: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» " مَعْنَاهُ: قَرَابَةٌ وَامْتِشَاجٌ كَامْتِشَاجِ النَّسَبِ، وَقَوْلُهُ: " «لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» " يَعْنِي أَنَّ نَفْسَ الْوَلَاءِ لَا يُنْقَلُ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا أَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تُنْقَلُ، وَيُرْوَى النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُورَثُ الْوَلَاءُ، لَكِنْ يُورَثُ بِهِ كَمَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يُورَثُ وَيُورَثُ بِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَاءُ مَوْرُوثًا لَاشْتَرَكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. انْتَهَى كَلَامُ الرافعي، وَإِذَا لَمْ يُورَثِ الْوَلَاءُ لَمْ يَرِثْ عَصَبَةُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ إِنَّمَا وَرِثُوا بِقَرَابَتِهِمْ مِنَ الْمُعْتِقِ لَا بِإِرْثِهِمُ الْوَلَاءَ الَّذِي كَانَ لِلْمُعْتِقِ، وَعَصَبَةُ الْعَصَبَةِ لَيْسُوا بِأَقَارِبِ الْمُعْتِقِ وَلَا وَرِثُوا الْوَلَاءَ مِنَ الْعَصَبَةِ، فَلَمْ يَرِثُوا بِهِ شَيْئًا. هَذَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ.

وَأَمَّا بَيَانُ كَوْنِ ذَلِكَ مُقْتَضَى نُصُوصِ الصِّحَابِ، فَمِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: إِطْبَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلِهِمْ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمُعْتِقُ، فَالِاسْتِحْقَاقُ لِعَصَبَاتِهِ مِنَ النَّسَبِ الَّذِينَ يُعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ أَحَدٌ، فَالْمَالُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ لِعَصَبَاتِهِ، ثُمَّ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَهَكَذَا، فَجَعْلُهُمُ الْمَالَ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عَصَبَةَ الْعَصَبَةِ لَا يَرِثُونَ شَيْئًا، وَإِلَّا لَقَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ أَحَدٌ فَلِعَصَبَةِ عَصَبَتِهِ، فَكَانُوا يَذْكُرُونَ عَصَبَةَ الْعَصَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرُوا مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ، وَلَا يَتَخَيَّلُ مُتَخَيَّلٌ دُخُولَ عَصَبَةِ الْعَصَبَةِ فِي لَفْظِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ بِحَالٍ، لَا مَعْنًى وَلَا لَفْظًا، وَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ ذَلِكَ وَعَصَبَةُ الْعَصَبَةِ لَيْسُوا بِعَصَبَةٍ لِلْمُعْتِقِ، بَلْ هُمْ مِنْهُ أَجَانِبُ مَحْضٌ، وَإِذَا كَانَ الْفُقَهَاءُ لَمْ يَرَوُا الِاقْتِصَارَ عَلَى ذِكْرِ الْمُعْتِقِ حَتَّى تَعَرَّضُوا لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ وَمَنْ فَوْقَهُ، مُصَرِّحِينَ بِتَأْخِيرِهِمْ عَنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ إِرْثُ عَصَبَةِ الْعَصَبَةِ قَبْلَ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِهِمْ لَهُ وَلَا تَصْرِيحِهِمْ بِهِ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا عِبَارَةُ الرافعي حَيْثُ قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُعْتِقُ حَيًّا وَرِثَ بِوَلَائِهِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ وَلَا يَرِثُ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ وَلَا الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ بِغَيْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ مِنَ النَّسَبِ، فَالْمِيرَاثُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصَبَاتِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَهَكَذَا، فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ مِنَ النَّسَبِ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>