فَابْنُ عَمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ عَصَبَةً لِلْمُعْتِقَةِ وَلَا نَسِيبًا لَهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُ الرافعي: لِلْأَصْحَابِ عِبَارَةٌ ضَابِطَةٌ لِمَنْ يَرِثُ بِوَلَاءِ الْمُعْتِقِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُعْتِقُ حَيًّا، وَهِيَ أَنَّهُ يَرِثُ الْعَتِيقَ بِوَلَاءِ الْمُعْتِقِ ذَكَرٌ يَكُونُ عَصَبَةً لِلْمُعْتِقِ لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ بِصِفَتِهِ، وَهَذَا الضَّابِطُ يَخْرُجُ عَنْهُ عَصَبَةُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَاتَتْ وَابْنُ عَمِّ وَلَدِهَا مَوْجُودٌ لَمْ يَرِثْهَا إِجْمَاعًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ الرافعي: وَلَا مِيرَاثَ لِغَيْرِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ إِلَّا لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَصَبَةَ الْعَصَبَةِ غَيْرُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، فَدَخَلُوا فِي هَذَا النَّفْيِ، وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ: وَلَا مِيرَاثَ لِمُعْتِقِ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ إِلَّا لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ لِمُعْتِقِ جَدِّهِ وَإِنْ عَلَا، وَكَذَلِكَ مُعْتِقُ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ لَا يَرِثُ إِلَّا مُعْتِقُ أَبِي الْمُعْتِقِ أَوْ مُعْتِقُ جَدِّهِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى أَوْلَادِ بَنِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا، هَذِهِ عِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ، فَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمِيرَاثِ عَنْ مُعْتِقِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ، وَمَعْنَى الْعَصَبَةِ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِ عَصَبَةِ الْعَصَبَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ بِهَذَا التَّصْرِيحِ فَكَذَلِكَ بَاقِي عَصَبَةِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْمُعْتِقِ، فَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُعْتِقِ وَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا وَرِثَ مُعْتِقُ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِالِانْجِرَارِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى الْأَحْفَادِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلَّا هَذَا التَّصْرِيحُ مِنَ الْبَغَوِيِّ لَكَانَ كَافِيًا، هَذَا بَعْضُ مَا اقْتَضَتْهُ نُصُوصُ الْأَصْحَابِ.
وَأَمَّا التَّصْرِيحُ، فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً وَمَاتَ الْمُعْتِقُ عَنِ ابْنٍ وَالِابْنُ عَنْ أَخٍ لِأُمِّهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ، فَالْمِيرَاثُ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الْمُعْتِقِ قَالَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ أَخٌ لِأُمِّهِ لَمْ يَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ لَهُ، هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُحِيطِ، فَانْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَ الْأَوَّلَ بِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْمُعْتِقِ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِكَوْنِهِ صَاحِبَ فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ كَمَا عَلَّلَ بِذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَدَلَّ بِفَرْقِهِ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ إِذَا كَانُوا أَجَانِبَ مِنَ الْمُعْتِقِ عَصَبَةً كَانُوا أَوْ أَصْحَابَ فَرْضٍ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السرخسي مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ، ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ أَخًا مِنْ أُمِّهِ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأَمَةُ، فَمِيرَاثُهَا لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَلَيْسَ لِلْأَخِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَأَخُو ابْنِ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الْمُعْتِقِ، وَكَذَا أَخُو الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ لَهُ إِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ فَرِيضَةٍ، وَلَا يُخْلِفُ الْمُعْتَقَ فِي مِيرَاثِ مُعْتِقٍ إِلَّا مَنْ كَانَ عَصَبَةً لَهُ، هَذِهِ عِبَارَتُهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَذِهِ كُلُّهَا عُلَالَاتٌ وَاحْتِمَالَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِنَقْلٍ صَرِيحٍ وَإِلَّا لَمْ نَقْبَلْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتَ. قُلْتُ: اسْمَعْ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، أَنَا عَادَتِي فِي التَّقْرِيرِ أَنْ أَبْدَأَ أَوَّلًا بِالْإِخْفَاءِ، ثُمَّ أَنْتَقِلَ إِلَى الْإِجْلَاءِ وَآتِيَ بِالْمُحْتَمَلَاتِ، ثُمَّ أُثَنِّيَ بِالدَّامِغَاتِ فَأَكْسِرَ بِهَا رُؤُوسًا وَأُحْيِيَ بِهَا نُفُوسًا، فَأَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute