دِينِ اللَّهِ بِمَا تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى نُقُولِ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا كَانَ النَّاسُ الْآنَ لَا يَعْتَمِدُونَ فَتْوَى الْمُجْتَهِدِ بِاجْتِهَادِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ مَقْبُولًا شَرْعًا لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى أَدِلَّةٍ وَحُجَجٍ، وَلَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ مَنْقُولًا فِي الْمَذْهَبِ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمَنْ لَيْسَ مُجْتَهِدًا أَنْ يُفْتِيَ بِغَيْرِ نَقْلٍ وَلَا اسْتِنَادٍ إِلَى حُجَّةٍ؟ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ لِلْمَاوَرْدِيِّ وَعِبَارَتُهُ: فَلَوْ أَعْتَقَتِ امْرَأَةٌ عَبْدًا وَمَاتَتْ وَخَلَّفَتِ ابْنًا وَأَخًا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ، كَانَ وَلَاؤُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْأَخِ، وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ وَخَلَّفَ عَمًّا وَخَالًا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ كَانَ وَلَاؤُهُ لِخَالِهِ دُونَ عَمِّهِ؛ لِأَنَّ الْخَالَ أَخُو الْمُعْتِقَةِ وَالْعَمَّ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا، هَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مَوْرُوثًا يُجْعَلُ الْوَلَاءُ لِعَمِّ الِابْنِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْمُعْتِقَةِ دُونَ الْخَالِ وَإِنْ كَانَ أَخَاهَا؛ لِانْتِقَالِ مَالِهِ إِلَى عَمِّهِ دُونَ خَالِهِ، وَقَدْ بَسَطَ السبكي الْمَسْأَلَةَ بَسْطًا شَافِيًا فِي كِتَابِهِ الْغَيْثِ الْمُغْدِقِ، فَقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، وَهِيَ إِذَا مَاتَتِ الْمُعْتَقَةُ وَخَلَّفَتِ ابْنًا وَأَخَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا وَتَرَكَ عَصَبَتَهُ كَأَعْمَامِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ وَتَرَكَ أَخَا مَوْلَاتِهِ وَعَصَبَةَ ابْنِهَا، فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّ مِيرَاثَهُ لِأَخِي مَوْلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ، فَإِنِ انْقَرَضَ عَصَبَتُهَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ عَصَبَةِ ابْنِهَا، وَبِهِ قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وعطاء وطاووس وَالزُّهْرِيُّ وقتادة وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ علي أَنَّهُ لِعَصَبَةِ الِابْنِ، رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عمر وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَبِهِ قَالَ شريح، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْوَلَاءَ يُورَثُ كَمَا يُورَثُ الْمَالُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أحمد نَحْوُ هَذَا، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَاقٍ لِلْمُعْتِقِ يَرِثُ بِهِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَصَبَاتِهِ لَمْ يَرِثْ شَيْئًا، وَعَصَبَاتُ الِابْنِ غَيْرُ عَصَبَاتِ أُمِّهِ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ غَلَطٌ، قَالَ حميد: النَّاسُ يُغَلِّطُونَ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. انْتَهَى مَا أَوْرَدَهُ السبكي هُنَا.
فَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِرْثِ هُوَ قَوْلُ مالك وَالشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أحمد، ثُمَّ قَالَ السبكي بَعْدَ ذَلِكَ: اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِيهِ، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عمر وعلي وزيد وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَبِهِ قَالَ عطاء وَسَالِمُ بن عبد الله والحسن وابن سيرين وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخْعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وقتادة وَأَبُو الزِّنَادِ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وإسحاق وَأَبُو ثَوْرٍ وداود، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أحمد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute