للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُدْرَكٌ آخَرُ: قَالَ السبكي: الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ مُصَرِّحُونَ - الشيخ أبو حامد وَغَيْرُهُ - بِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، وَلَكِنْ هَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ ثَبَتَ لِلْمُعْتِقِ وَجَمِيعِ عَصَبَاتِهِ؟ أَوْ ثَبَتَ لِلْمُعْتِقِ فَقَطْ وَبَعْدَهُ يَثْبُتُ لِعَصَبَاتِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ، بَلْ عَلَى جِهَةِ أَنَّ ثُبُوتَهُ لَهُمْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، يُخَرَّجُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالصَّحِيحُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي إِلْحَاقِ الْوَلَاءِ بِالنَّسَبِ أَنَّهُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ، قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ عَتِيقًا لِلسَّيِّدِ يُثْبِتُ نَسَبَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَصَبَتِهِ حِسًّا، فَإِنَّا نَقُولُ: عَتِيقُ ابْنِ عَمِّ فُلَانٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثُبُوتُ هَذِهِ النِّسْبَةِ شَرْعًا، فَالْحَدِيثُ يَقْتَضِيهَا وَتَوْقِيفُهَا عَلَى مَوْتِ الْمُعْتِقِ بَعِيدٌ وَإِنْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَا لَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَلِلْمُعْتِقِ ابْنٌ مُسْلِمٌ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ، فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْأَرْجَحِ، لَا لِبَيْتِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ، وَمُقَابِلُهُ رَأْيٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، وَالْمُعْتِقُ قَامَ بِهِ مَانِعُ الْكُفْرِ فَانْتَقَلَ إِرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَيُوَافِقُ الْأَوَّلُ قَوْلَ الرافعي فِي الْوَصَايَا فِيمَا إِذَا أَعْتَقَ مَرِيضٌ عَبْدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ السَّيِّدُ مِنْ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، بَلْ إِنْ كَانَ لَهُ وَارْثٌ أَقْرَبُ مِنْ سَيِّدِهِ، فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ عَصَبَاتِ السَّيِّدِ. انْتَهَى.

إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ، أَعْنِي كَوْنَهُ لَا يَنْتَقِضُ، وَكَوْنَهُ يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ أَنَّ عَصَبَةَ الْعَصَبَةِ لَا يَرْثُونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِهِ لِمَنْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الْمُعْتِقِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَقْلِهِ، فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مِنْهُ شَيْئًا.

عُودٌ إِلَى بَدْءٍ فِي نُقُولٍ أُخْرَى مُصَرِّحَةٍ مِنْ كُتُبِ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، قَالَ الحيري مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ التَّلْخِيصِ فِي الْفَرَائِضِ: إِذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ عَبْدِهِ لَمْ يَنْتَقِلِ الْوَلَاءُ إِلَى عَصَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَقَالَ شريح وأحمد: هُوَ مَوْرُوثٌ كَمَا يُورَثُ الْمَالُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ فَتَرَكَتِ ابْنًا وَأَخًا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، فَمَالُهُ لِابْنِ مَوْلَاتِهِ، فَإِنْ تَرَكَ ابْنُهَا أَبَاهُ أَوْ عَمَّهُ أَوِ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَخُو الْمَرْأَةِ أَحَقُّ مِنْ عَصَبَةِ ابْنِهَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ عمر وعلي وشريح وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ والحسن وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: عَصَبَةُ ابْنِهَا أَوْلَى، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ عبد الله، وَكَذَلِكَ إِنْ مَاتَ أَخُو الْمَرْأَةِ وَخَلَّفَ ابْنًا، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَصَبَةِ الِابْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ عَصَبَةُ الِابْنِ أَوْلَى. انْتَهَى. وَهَذَا مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيِّ، وَتِلْكَ أَصْرَحُ، حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْوَلَاءَ مَوْرُوثًا، وَفِي الْأَصْلِ لمحمد بن الحسن صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَعْتَقَتِ الْمَرْأَةُ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتِ ابْنَهَا وَأَخَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا وَتَرَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>