للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَهُ الْجِنَايَةُ وَتَقْوَى بِهِ الْعِنَايَةُ حَتَّى يُعْطَى أَحَدُهُمُ الشَّيْءَ وَنَفْسُهُ تَتْبَعُهُ وَقَلْبُهُ يُؤْلِمُهُ وَيُوجِعُهُ لِمَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ الْحَيْفِ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَخْذُ الْمَالِ بِالْحَيَاءِ كَأَخْذِهِ بِالسَّيْفِ لَا سِيَّمَا إِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْغِنَاءِ - مَعَ الْبُطُونِ الْمَلْأَى - بِآلَاتِ الْبَاطِلِ مِنَ الدُّفُوفِ وَالشَّبَّابَاتِ وَاجْتِمَاعِ الرِّجَالِ مَعَ الشَّبَابِ الْمُرْدِ وَالنِّسَاءِ الْفَاتِنَاتِ، إِمَّا مُخْتَلِطَاتٍ بِهِنَّ أَوْ مُشْرِفَاتٍ، وَالرَّقْصِ بِالتَّثَنِّي وَالِانْعِطَافِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي اللَّهْوِ وَنِسْيَانِ يَوْمِ الْمَخَافِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ إِذَا اجْتَمَعْنَ عَلَى انْفِرَادِهِنَّ رَافِعَاتٍ أَصْوَاتَهُنَّ بِالتَّهْنِيكِ وَالتَّطْرِيبِ فِي الْإِنْشَادِ، وَالْخُرُوجِ فِي التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ وَالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ غَافِلَاتٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] وَهَذَا الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ فِي تَحْرِيمِهِ اثْنَانِ، وَلَا يَسْتَحْسِنُهُ ذَوُو الْمُرُوءَةِ الْفِتْيَانُ، وَإِنَّمَا يَحْلُو ذَلِكَ لِنُفُوسِ مَوْتَى الْقُلُوبِ وَغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّينَ مِنَ الْآثَامِ وَالذُّنُوبِ، وَأَزِيدُكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ لَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، وَلِلَّهِ دَرُّ شَيْخِنَا القشيري حَيْثُ يَقُولُ فِيمَا أَجَازَنَاهُ:

قَدْ عُرِّفَ الْمُنْكَرُ وَاسْتُنْكِرَ ... الْمَعْرُوفُ فِي أَيَّامِنَا الصَّعْبَهْ

وَصَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَهْدَةٍ ... وَصَارَ أَهْلُ الْجَهْلِ فِي رَيْبَهْ

حَادُوا عَنِ الْحَقِّ، فَمَا لِلَّذِي ... سَارُوا بِهِ فِيمَا مَضَى نِسْبَهْ

فَقُلْتُ لِلْأَبْرَارِ أَهْلِ التُّقَى ... وَالدِّينِ لَمَّا اشْتَدَّتِ الْكُرْبَهْ

لَا تُنْكِرُوا أَحْوَالَكُمْ قَدْ أَتَتْ ... نَوْبَتُكُمْ فِي زَمَنِ الْغُرْبَهْ

وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ حَيْثُ يَقُولُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا تُعُجِّبَ مِنَ الْعَجَبِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ هُوَ بِعَيْنِهِ الشَّهْرُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَيْسَ الْفَرَحُ فِيهِ بِأَوْلَى مِنَ الْحُزْنِ فِيهِ. وَهَذَا مَا عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ، وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَرْجُو حُسْنَ الْقَبُولِ.

هَذَا جَمِيعُ مَا أَوْرَدَهُ الفاكهاني فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ، وَأَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْمَوْلِدِ أَصْلًا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: نَفْيُ الْعِلْمِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْوُجُودِ، وَقَدِ اسْتَخْرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>