للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ إِمَامُ الْحُفَّاظِ أبو الفضل ابن حجر أَصْلًا مِنَ السُّنَّةِ، وَاسْتَخْرَجْتُ لَهُ أَنَا أَصْلًا ثَانِيًا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا بَعْدَ هَذَا، وَقَوْلُهُ: بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ أَحْدَثَهَا الْبَطَّالُونَ، إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا الْعُلَمَاءُ الْمُتَدَيِّنُونَ، يُقَالُ عَلَيْهِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحْدَثَهُ مَلِكٌ عَادِلٌ عَالِمٌ وَقَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحَضَرَ عِنْدَهُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَالصُّلَحَاءُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، وَارْتَضَاهُ ابن دحية وَصَنَّفَ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ كِتَابًا، فَهَؤُلَاءِ عُلَمَاءُ مُتَدَيِّنُونَ رَضَوْهُ وَأَقَرُّوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَنْدُوبِ مَا طَلَبَهُ الشَّرْعُ، يُقَالُ عَلَيْهِ: إِنَّ الطَّلَبَ فِي الْمَنْدُوبِ تَارَةً يَكُونُ بِالنَّصِّ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، فَفِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ الْآتِي ذِكْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ: وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاعَ فِي الدِّينِ لَيْسَ مُبَاحًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، كَلَامٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ، بَلْ قَدْ تَكُونُ أَيْضًا مُبَاحَةً وَمَنْدُوبَةً وَوَاجِبَةً، قَالَ النووي فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: الْبِدْعَةُ فِي الشَّرْعِ هِيَ إِحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ عز الدين بن عبد السلام فِي الْقَوَاعِدِ: الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُبَاحَةٍ، قَالَ: وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ نَعْرِضَ الْبِدْعَةَ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، أَوِ النَّدْبِ فَمَنْدُوبَةٌ، أَوِ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهَةٌ، أَوِ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ، وَذَكَرَ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ أَمْثِلَةً إِلَى أَنْ قَالَ: وَلِلْبِدَعِ الْمَنْدُوبَةِ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا إِحْدَاثُ الرُّبَطِ وَالْمَدَارِسِ وَكُلُّ إِحْسَانٍ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا التَّرَاوِيحُ وَالْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ وَفِي الْجَدَلِ، وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ لِلِاسْتِدْلَالِ فِي الْمَسَائِلِ إِنْ قُصِدَ بِذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الْأُمُورِ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: مَا أُحْدِثَ مِمَّا يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا، فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ، وَالثَّانِي: مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ، وَقَدْ قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: "نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ "، يَعْنِي أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَإِذْ كَانَتْ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى. هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ مَنْعُ قَوْلِ الشَّيْخِ تاج الدين: وَلَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مُبَاحًا، إِلَى قَوْلِهِ: وَهَذَا الَّذِي وَصَفْنَاهُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، إِلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مِمَّا أُحْدِثَ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ وَلَا إِجْمَاعٍ، فَهِيَ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ كَمَا فِي عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي لَمْ يُعْهَدْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ إِطْعَامَ الطَّعَامِ الْخَالِي عَنِ اقْتِرَافِ الْآثَامِ إِحْسَانٌ، فَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَنْدُوبَةِ كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>