للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ الْجَاهِلِ، وَفِي التَّيَمُّمِ لَوْ أَدْرَجَ فِي رَحْلِهِ مَاءً وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ فِي رَحْلِهِ مَاءً ثُمَّ نَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، فَقَبِلَهُ لِإِنْصَافِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْكَفَّارَةَ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ، فَلَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالنِّسْيَانِ وَنَحْوِهِ، كَالْإِتْلَافِ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ إِذْ لَا غَرَامَةَ فِيهِ، وَهَذَا تَخَيُّلٌ فَاسِدٌ، بَلِ الطَّلَاقُ أَوْلَى بِالْحِنْثِ مِنَ الْيَمِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْبَالِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْحِنْثِ فِي الطَّلَاقِ، وَتَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ، وَلَا هَتْكَ مَعَ النِّسْيَانِ وَنَحْوِهِ، وَالْمَدَارُ فِي الطَّلَاقِ عَلَى وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بِكُلِّ حَالٍ.

(تَنْبِيهٌ) : قِيلَ: يَدُلُّ لِعَدَمِ الْحِنْثِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] ، فَإِنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ أَنَّهُ الْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافَهُ، فَلَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ. قُلْتُ: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصَحَّ الْمُعْتَمَدَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّهَا فِيمَا سَبَقَ إِلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ، رُوِّينَا هَذَا التَّفْسِيرَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة مَوْقُوفًا، كَمَا أَسْنَدْتُهُ فِي كِتَابِ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ التَّفْسِيرُ الْمُسْنَدُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وعكرمة وَالشَّعْبِيُّ وأبو قلابة وأبو صالح وطاوس وَالنَّخَعِيُّ وَخَلَائِقُ.

وَنَقَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ آخَرُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، فَيَرَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَيَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ علي بن أبي طلحة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَصَحُّ الطُّرُقِ عَنْهُ فِي التَّفْسِيرِ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْهَا أَنَّ نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآيَةِ خَاصٌّ بِالْإِثْمِ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ فَيَحْنَثُ وَيُكَفِّرُ. أَخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَصَرَّحَا بِأَنَّ نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ خَاصٌّ بِالْإِثْمِ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يَفْعَلَهُ فَيَنْسَى.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْءِ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>