للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَعِيفَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، ثُمَّ هُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ سَكَتَتْ عَنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهِ، وَفِرْقَةٌ صَرَّحَتْ بِوُجُوبِهَا، وَفِرْقَةٌ صَرَّحَتْ بِعَدَمِهِ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَشْيَاءُ، مِنْهَا أَنَّ نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ إِنَّمَا يَنْصَبُّ عَلَى الْإِثْمِ دُونَ الْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَالْغَرَامَاتِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ اخْتَارَهُ مالك كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ دَالَّةً عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ} [المائدة: ٨٩] إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى لَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ، شُرِعَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ جَبْرًا، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] ، وَ {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَأَنَّهَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَرَأْيٌ عِنْدَنَا جَارٍ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا، فَلَمْ يَجْعَلْ هَؤُلَاءِ فِيهِ الْكَفَّارَةَ تَغْلِيظًا وَخُصُوصًا بِقَتْلِ الْخَطَأِ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَمْدًا، قَالَ هَؤُلَاءِ: لَا قَضَاءَ فِيهِ تَغْلِيظًا، وَتَرْكُ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ عَمْدًا، قَالُوا أَيْضًا: لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَالْقَائِلُونَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَهُوَ الْمُعْظَمُ اسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْجَبْرِ كَمَا اسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ فِي الْقَتْلِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي اللَّغْوِ الْمُفَسَّرِ بِالْخَطَأِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى اللَّغْوِ، وَيُحَرَّرُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَمَنْ لَا يَرَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ. قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِدَائِمٍ وَلَا غَالِبٍ بَلْ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً بِخِلَافِهِ، خُصُوصًا إِذَا وَرَدَ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ مِنْ أَصَحِّ الطُّرُقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي هُوَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَحَبْرُ الْأُمَّةِ وَإِمَامُ الْعَرَبِ وَتَابَعَهُ فِيهِ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ.

(تَنْبِيهٌ) قِيلَ: يَدُلُّ لِعَدَمِ الْحِنْثِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: ٥] قُلْتُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا: الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِنِسْبَةِ زيد إِلَى مُحَمَّدٍ، وَهُوَ السَّبَبُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: الْعِبْرَةُ بِخُصُوصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>