للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشيخ خليل المالكي - صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ الْمَشْهُورِ - فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي مَنَاقِبِ شَيْخِهِ - الشيخ عبد الله المنوفي - مَا نَصُّهُ: الْبَابُ السَّادِسُ فِي طَيِّ الْأَرْضِ لَهُ، مَعَ عَدَمِ تَحَرُّكِهِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مِنَ الْحِجَازِ، وَسَأَلَ عَنِ الشَّيْخِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: الشَّيْخُ لَمْ يَزُلْ مِنْ مَكَانِهِ، فَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ الشَّيْخُ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ، وَذَكَرَ وَقَائِعَ أُخْرَى وَقَعَتْ لَهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُمْكِنُ وُجُودُ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِمَكَانَيْنِ، قُلْتُ: الْوَلِيُّ إِذَا تَحَقَّقَ فِي وِلَايَتِهِ تَمَكَّنَ مِنَ التَّصَوُّرِ فِي رُوحَانِيَّتِهِ، وَيُعْطَى مِنَ الْقُدْرَةِ التَّصْوِيرَ فِي صُوَرٍ عَدِيدَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّدَ هُوَ الصُّورَةُ الرُّوحَانِيَّةُ، وَقَدِ اشْتُهِرَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ، كَمَا حَكَى عَنْ قضيب البان، أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ اجْتَمَعَ ذَلِكَ الْفَقِيهُ بِهِ، فَصَلَّى بِحَضْرَتِهِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَيُّ صُورَةٍ لَمْ تُصَلِّ مَعَكُمْ؟ فَقَبَّلَ يَدَ الشَّيْخِ وَتَابَ.

وَكَمَا حُكِيَ عَنِ الشيخ أبي عباس المرسي أَنَّهُ طَلَبَهُ إِنْسَانٌ لِأَمْرٍ عِنْدَهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَنْعَمَ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ لَهُ أَرْبَعَةٌ، كُلٌّ مِنْهُمْ طَلَبَ مِنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَنْعَمَ لِلْجَمِيعِ، ثُمَّ صَلَّى الشَّيْخُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ يَذْهَبْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِذَا بِكُلٍّ مِنَ الْخَمْسَةِ جَاءَ يَشْكُرُ الشَّيْخَ عَلَى حُضُورِهِ عِنْدَهُ، وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ أَنَّ الْكَعْبَةَ رُئِيَتْ تَطُوفُ بِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ - هَذَا كَلَامُ الشيخ خليل وَنَاهِيكَ بِهِ إِمَامَةً وَجَلَالَةً، وَرَأَيْتُ فِي مَنَاقِبِ الشَّيْخِ تاج الدين بن عطاء الله لِبَعْضِ تَلَامِيذِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَةِ الشَّيْخِ حَجَّ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الشَّيْخَ فِي الْمَطَافِ، وَخَلْفَ الْمَقَامِ، وَفِي الْمَسْعَى، وَفِي عَرَفَةَ، فَلَمَّا رَجَعْتُ سَأَلْتُ عَنِ الشَّيْخِ، فَقِيلَ: هُوَ طَيِّبٌ، فَقُلْتُ: هَلْ سَافَرَ أَوْ خَرَجَ مِنَ الْبَلَدِ؟ فَقِيلَ: لَا، فَجِئْتُ إِلَيْهِ، وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ رَأَيْتَ فِي سَفْرَتِكَ هَذِهِ مِنَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، رَأَيْتُكَ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: الرَّجُلُ الْكَبِيرُ يَمْلَأُ الْكَوْنَ، لَوْ دَعَا الْقُطْبَ مِنْ حَجَرٍ لَأَجَابَ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْوَحِيدِ: الْخَصَائِصُ الْإِلَهِيَّةُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا، فَهَذَا عِزْرَائِيلُ يَقْبِضُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنَ الْخَلَائِقِ فِي جَمِيعِ الْعَوَالِمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ بِصُوَرِ أَعْمَالِهِمْ فِي مَرَائِيَ شَتَّى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُهُ، وَيُبْصِرُهُ فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ.

وَقَالَ الشيخ سراج الدين بن الملقن، وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ فِي طَبَقَاتِ الْأَوْلِيَاءِ: الشَّيْخُ قضيب البان الموصلي ذُو الْأَحْوَالِ الْبَاهِرَةِ، وَالْكَرَامَاتِ الْمُتَكَاثِرَةِ، سَكَنَ الْمَوْصِلَ وَاسْتَوْطَنَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ سَنَةِ سَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، ذَكَرَهُ الكمال بن يونس، فَوَقَعَ فِيهِ مُوَافَقَةٌ لِمَنْ عِنْدَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَبُهِتُوا، وَقَالَ: يَا ابن يونس، أَنْتَ تَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>