للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَيْنَ كُنْتُ أَنَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ؟ فَلَمْ يَدْرِ ابن يونس مَا يَقُولُ، وَسُئِلَ عَنْهُ الشَّيْخُ عبد القادر الكيلاني، فَقَالَ: هُوَ وَلِيٌّ مُقَرَّبٌ ذُو حَالٍ مَعَ اللَّهِ، وَقَدَمِ صِدْقٍ عِنْدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا نَرَاهُ يُصَلِّي، فَقَالَ: إِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُ، وَإِنِّي أَرَاهُ إِذَا صَلَّى بِالْمَوْصِلِ، أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ آفَاقِ الْأَرْضِ يَسْجُدُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ.

وَقَالَ أبو الحسن القرشي: رَأَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ بِالْمَوْصِلِ قَدْ مَلَأَهُ وَنَمَا جَسَدُهُ نَمَاءً خَارِقًا لِلْعَادَةِ، فَخَرَجْتُ وَقَدْ هَالَنِي مَنْظَرُهُ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ، وَقَدْ تَصَاغَرَ حَتَّى صَارَ قَدْرَ الْعُصْفُورِ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ كَحَالَتِهِ الْمُعْتَادَةِ، انْتَهَى.

وَفِي الطَّبَقَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ هَذَا النَّمَطِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ برهان الدين الأبتاسي فِي كِتَابِ تَلْخِيصِ الْكَوْكَبِ الْمُنِيرِ فِي مَنَاقِبِ الشيخ أبي العباس البصير: مِنْ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ اجْتَمَعَ بِالشَّيْخِ أبي الحجاج الأقصري، فَجَلَسَا فِي الْحَرَمِ يَتَذَاكَرَانِ أَحْوَالَ الْقَوْمِ، فَقَالَ أبو الحجاج: هَلْ لَكَ فِي طَوَافِ أُسْبُوعٍ؟ فَقَالَ أبو العباس: إِنْ لِلَّهِ رِجَالًا يَطُوفُ بَيْتُهُ بِهِمْ، فَنَظَرَ أبو الحجاج، وَإِذَا بِالْكَعْبَةِ طَائِفَةٌ بِهِمَا، قَالَ الأبتاسي: وَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ، فَقَدْ تَضَافَرَتْ أَخْبَارُ الصَّالِحِينَ عَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ.

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ شمس الدين ابن القيم فِي كِتَابِ الرُّوحِ: لِلرُّوحِ شَأْنٌ آخَرُ غَيْرُ شَأْنِ الْبَدَنِ، فَتَكُونُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِبَدَنِ الْمَيِّتِ، بِحَيْثُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى صَاحِبِهَا رَدَّ السَّلَامِ، وَهِيَ فِي مَكَانِهَا هُنَاكَ، وَهَذَا جِبْرِيلُ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، مِنْهَا جَنَاحَانِ سَدَّا الْأُفُقَ، وَكَانَ يَدْنُو مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقُلُوبُ الْمُخْلِصِينَ تَتَّسِعُ لِلْإِيمَانِ بِأَنَّ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّهُ كَانَ يَدْنُو هَذَا الدُّنُوَّ وَهُوَ فِي مُسْتَقَرِّهِ مِنَ السَّمَاوَاتِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْوَحِيدِ: مِنَ الْقَوْمِ مَنْ كَانَ يُخَلِّي جَسَدَهُ وَيَصِيرُ كَالْفَخَّارَةِ الَّتِي لَا رُوحَ فِيهَا، كَمَا أَخْبَرَنِي عيسى بن المظفر، عَنِ الشَّيْخِ شمس الدين الأصبهاني - وَكَانَ عَالِمًا وَمُدَرِّسًا وَحَاكِمًا بِقُوصَ - أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُخَلِّي جَسَدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى حَالِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ. انْتَهَى. قُلْتُ: الأصبهاني الْمَذْكُورُ هُوَ الْعَلَّامَةُ شمس الدين الْمَشْهُورُ، صَاحِبُ شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّصَانِيفِ فِي الْأَصْلَيْنِ، نَقَلَ ابن السبكي فِي طَبَقَاتِهِ عَنِ الشَّيْخِ تاج الدين الفركاح أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ مِثْلُهُ، وَقَالَ ابن السبكي أَيْضًا فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى: الْكَرَامَاتُ أَنْوَاعٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ التَّطَوُّرُ بِأَطْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الصُّوفِيَّةُ بِعَالَمِ الْمِثَالِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ تَجَسُّدَ الْأَرْوَاحِ، وَظُهُورَهَا فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ عَالَمِ الْمِثَالِ، وَاسْتَأْنَسُوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا} [مريم: ١٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>