للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهروي فِي ذَمِّ الْكَلَامِ، أَيْ فَلَا تُقَابِلْهُ بِحُجَّةٍ مِنْ رَأْيِكَ، فَأَطْلَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْحُجَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ ضَرْبَ الْمَثَلِ، وَاللُّغَةُ أَيْضًا تَشْهَدُ لِذَلِكَ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: ضَرَبَ مَثَلًا وَصَفَ وَبَيَّنَ، وَقَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: ضَرْبُ الْأَمْثَالِ اعْتِبَارُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، وَتَمْثِيلُهُ بِهِ، وَإِنَّمَا حَكَمْتُ فِي الْإِفْتَاءِ عَلَى لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ، وَعَلَّلْتُهُ بِضَرْبِ الْمَثَلِ؛ لِأَعْرِفَ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ الَّذِي حَكَمْتُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُحْتَجُّ بِضَرْبِ ذَلِكَ مَثَلًا لِلْغَيْرِ، لَا الْمُسْتَدِلُّ فِي الدَّرْسِ وَالتَّصْنِيفِ، وَمُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ بَيْنَ أَهْلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ ضَرْبَ مَثَلٍ.

وَقَصَدْتُ أَيْضًا الِاقْتِدَاءَ بِالْخَلِيفَةِ الصَّالِحِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي لَفْظِهِ، وَقَدْ وَجَدْتُ لِلْقِصَّةِ طَرِيقًا آخَرَ قَالَ الهروي فِي ذَمِّ الْكَلَامِ: أَنَا أبو يعقوب، أَنَا أبو بكر بن أبي الفضل، أَنَا أحمد بن محمد بن يونس، ثَنَا عثمان بن سعيد، ثَنَا يونس العسقلاني، ثَنَا ضمرة ثَنَا علي بن أبي جميلة قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لسليمان بن سعد: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَامِلِنَا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا زِنْدِيقٌ قَالَ: هُوَ مَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ كَانَ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِرًا فَمَا ضَرَّهُ، فَغَضِبَ عمر غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: مَا وَجَدْتُ لَهُ مَثَلًا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَعَزَلَهُ عَنِ الدَّوَاوِينِ.

وَمِمَّا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ إِطْلَاقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ، مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابن الصلاح فِي جُزْئِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، حَيْثُ ذَكَرَ إِنْكَارَ الشَّيْخِ عز الدين بن عبد السلام لَهَا، وَقَالَ: إِنَّهُ ضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِقَوْلِهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: ٩] .

وَأَمَّا الْفَصْلُ السَّابِعُ مِنَ الشِّفَا الَّذِي قَالَ الْمُعْتَرِضُ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، فَنَذْكُرُهُ؛ لِيَعْلَمَ مَنْ عَلِمَ وَاقِعَةَ الْحَالِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لَهَا، قَالَ الْقَاضِي عياض: الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يَخْتَلِفُ فِي جَوَازِهِ عَلَيْهِ، وَمَا يَطْرَأُ مِنَ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ لَهُ، وَيُمْكِنُ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ أَوْ يَذْكُرَ مَا امْتُحِنَ بِهِ وَصَبَرَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَلَى شِدَّتِهِ مِنْ مُقَاسَاةِ أَعْدَائِهِ، وَأَذَاهُمْ لَهُ، وَمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَسِيرَتِهِ، وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بُؤْسِ زَمَنِهِ، وَمَرَّ عَلَيْهِ مِنْ مُعَانَاةِ عِيشَتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ مَا صَحَّتْ عَنْهُ الْعِصْمَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ، فَهَذَا فَنٌّ خَارِجٌ عَنْ [هَذِهِ] الْفُنُونِ السِّتَّةِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ غَمْضٌ، وَلَا نَقْصٌ، وَلَا إِزْرَاءٌ، وَلَا اسْتِخْفَافٌ لَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا فِي مَقْصِدِ اللَّافِظِ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفُهَمَاءِ طَلَبَةِ الدِّينِ مِمَّنْ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُ وَيُحَقِّقُ فَوَائِدَهُ، وَيُجَنِّبُ ذَلِكَ مَنْ عَسَاهُ لَا يَفْهَمُهُ أَوْ يُخْشَى بِهِ فِتْنَتُهُ، فَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ تَعْلِيمَ النِّسَاءِ سُورَةَ يُوسُفَ؛ لِمَا انْطَوَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>