للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِصَصِ؛ لِضَعْفِ مَعْرِفَتِهِنَّ، وَنَقْصِ عُقُولِهِنَّ، وَإِدْرَاكِهِنَّ.

هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ فَانْظُرْ كَيْفَ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، ثُمَّ لَمْ يُطْلِقْ ذَلِكَ، بَلْ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفُهَمَاءِ الطَّلَبَةِ، وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ لَمْ تَكُنْ فِي مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا طَالِبُ عِلْمٍ الْبَتَّةَ، بَلْ كَانَتْ فِي السِّبَابِ وَالْخِصَامِ فِي سُوقِ الْغَزْلِ، بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنَ التُّجَّارِ وَالدَّلَّالِينَ وَالسُّوقَةِ وَكُلُّهُمْ عَوَامٌّ، وَأَكْثَرُهُمْ سُفَهَاءُ الْأَلْسِنَةِ يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ بِمَا يُوجِبُ سَفْكَ دِمَائِهِمْ، وَلَا يَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِمَنْ أَنْكَرَ مَا أَفْتَيْتُ بِهِ: إِنْ لَمْ تَعْرِفْ عَيْنَ الْوَاقِعَةِ فَأَنْتَ مَعْذُورٌ، وَقَوْلُكَ: لَا تَعْزِيرَ وَلَا عَثْرَةَ إِنْ أَرَدْتَ فِيمَا وَقَعَ فِي مَجْلِسِ الدَّرْسِ وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ بَيْنَ أَهْلِهِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَيْسَ هُوَ صُورَةَ الْوَاقِعَةِ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَا وَقَعَ فِي السُّوقِ بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوحَةِ فَمَعَاذَ اللَّهِ، وَحَاشَى الْمُفْتِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ.

وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَلَسْتُ أَقْصِدُ بِذَلِكَ غَضًّا مِنَ الْقَائِلِ، وَلَا حَطًّا عَلَيْهِ، فَإِنِّي أَعْتَقِدُ دِينَهُ، وَخَيْرَهُ، وَصَلَاحَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ بَادِرَةٌ بَدَرَتْ وَزَلَّةٌ فَرَطَتْ، وَعَثْرَةٌ وَقَعَتْ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْهَا وَيَتُبْ إِلَيْهِ وَيَنْدَمْ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَلَا يَعُدْ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صَلَاحِهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْخَ عز الدين بن عبد السلام قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ الصَّغِيرَةَ تُنْقِصُ الْوِلَايَةَ فَقَدْ جَهِلَ، وَقَالَ: إِنَّ الْوَلِيَّ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ تَعْزِيرُهُ عَلَيْهَا.

وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ لَا يُعَزَّرُونَ لِلْحَدِيثِ، وَفَسَّرَهُمْ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ، فَيَزِلُّ أَحَدُهُمُ الزَّلَّةَ فَيَتْرُكُ، وَفَسَّرَهُمْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ، وَفَسَّرَهُمْ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ إِذَا وَقَعَ مِنْهُمُ الذَّنَبُ تَابُوا وَنَدِمُوا، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي إِقَالَةِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ كَثِيرَةٌ، أَخْرَجَ أحمد فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وأبو داود، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عائشة قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ» "، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: " «تَجَاوَزُوا عَنْ زَلَّةِ ذِي الْهَيْئَةِ» "، وَأَخْرَجَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِلَفْظِ: " «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذِي الْمُرُوءَةِ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ".

وَأَخْرَجَهُ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " «تَجَافُوا عَنْ ذَنْبِ السَّخِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ آخِذٌ بِيَدِهِ كُلَّمَا عَثَرَ» "، وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>