للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى} [طه: ٤٠] قَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ صَرَّحَ العماد الينهي مِنْ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْحُكْمِ، فَقَالَ: بِمَنْعِ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ مِنَ الْقُرْآنِ، نَقَلَهُ ابن الصلاح فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ - والينهي هَذَا مِنْ تَلَامِذَةِ الْبَغَوِيِّ - وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا نَحْنُ فِيهِ، فَكَمَا أَنَّ الْأَدَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ مَثَلًا لِوَاقِعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، فَكَذَلِكَ الْأَدَبُ أَنْ لَا تُضْرَبَ أَحْوَالُ الْأَنْبِيَاءِ مَثَلًا لِحَالِ غَيْرِهِمْ.

فَصْلٌ

وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَالْحَافِظُ قَاضِي الْقُضَاةِ شهاب الدين بن حجر بِمَا نَصُّهُ: مَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الدِّينِ فِي هَذِهِ الْمَوَالِدِ الَّتِي يَصْنَعُهَا النَّاسُ مَحَبَّةً فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الْوُعَّاظِ يَذْكُرُونَ فِي مَجَالِسِهِمُ الْحَفْلَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُجْرَيَاتٍ هِيَ مُخِلَّةٌ بِكَمَالِ التَّعْظِيمِ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنَ السَّامِعِينَ لَهَا حُزْنٌ وَرِقَّةٌ، فَيَبْقَى فِي حَيِّزِ مَنْ يُرْحَمُ لَا فِي حَيِّزِ مَنْ يُعَظَّمُ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَرَاضِعَ حَضَرْنَ وَلَمْ يَأْخُذْنَهُ؛ لِعَدَمِ مَالِهِ إِلَّا حليمة رَغِبَتْ فِي رَضَاعِهِ شَفَقَةً عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْعَى غَنَمًا وَيُنْشِدُونَ:

بِأَغْنَامِهِ سَارَ الْحَبِيبُ إِلَى الْمَرْعَى ... فَيَا حَبَّذَا رَاعٍ فُؤَادِي لَهُ يَرْعَى.

وَفِيهِ: فَمَا أَحْسَنَ الْأَغْنَامَ وَهُوَ يَسُوقُهَا. وَكَثِيرٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْمُخِلِّ بِالتَّعْظِيمِ فَمَا قَوْلُكُمْ فِي ذَلِكَ؟ .

فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: يَنْبَغِي لِمَنْ يَكُونُ فَطِنًا أَنْ يَحْذِفَ مِنَ الْخَبَرِ مَا يُوهِمُ فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَقْصًا، وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ - هَذَا جَوَابُهُ بِحُرُوفِهِ.

فَصْلٌ

وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الصَّمْتِ عَنْ مطرف قَالَ: لِيَعْظُمْ جَلَالُ اللَّهِ فِي صُدُورِكُمْ، فَلَا تَذْكُرُوهُ عِنْدَ مِثْلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ لِلْكَلْبِ: اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، وَلِلْحِمَارِ وَلِلشَّاةِ.

فَصْلٌ

قَالَ السهيلي فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ حَدِيثَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ مَا نَصُّهُ: وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَقُولَ نَحْنُ هَذَا فِي أَبَوَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ» "، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: ٥٧] الْآيَةَ.

فَصْلٌ

رَعْيُ الْغَنَمِ لَمْ يَكُنْ صِفَةَ نَقْصٍ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ حَدَثَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ، وَلَا يُسْتَنْكَرُ ذَلِكَ فَرُبَّ حِرْفَةٍ، هِيَ نَقْصٌ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَفِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ، وَفِي الْمُرُوءَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَسْطُورَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>