للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ. وَالثَّانِي مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ، وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ، وَقَدْ قَالَ عمر فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، يَعْنِي أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ - هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ.

وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ قَالَ: كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ ; فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْإِسْنَادِ وَأَقْوَى فِي الِاحْتِجَاجِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ كَعَدَدِ الْوَتْرِ وَالرَّوَاتِبِ، فَرُوِيَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوَتْرِ، وَعَنْ مالك: التَّرَاوِيحُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوَتْرِ ; لِقَوْلِ نافع: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يَقُومُونَ رَمَضَانَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً، يُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ. الْخَامِسُ: أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً تَشْبِيهًا بِأَهْلِ مَكَّةَ، حَيْثُ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ طَوَافًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْهِ وَلَا يَطُوفُونَ بَعْدَ الْخَامِسَةِ، فَأَرَادَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُسَاوَاتَهُمْ فَجَعَلُوا مَكَانَ كُلِّ طَوَافٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ عَدَدُهَا بِالنَّصِّ لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَلَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالصَّدْرُ الْأَوَّلُ كَانُوا أَوْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ طَالَعَ كُتُبَ الْمَذْهَبِ، خُصُوصًا شَرْحَ الْمُهَذَّبِ، وَرَأَى تَصَرُّفَهُ وَتَعْلِيلَهُ فِي مَسَائِلِهَا، كَقِرَاءَتِهَا وَوَقْتِهَا وَسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَإِجْمَاعِهِمْ، عَلِمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا خَبَرٌ مَرْفُوعٌ لَاحْتُجَّ بِهِ. هَذَا جَوَابِي فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابن حجر مَا نَصُّهُ: قَوْلُ الرافعي: «إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً لَيْلَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ مِنَ الْغَدِ: " خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَلَا تُطِيقُوهَا» " مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَدِيثِ عائشة، دُونَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْعَدَدُ فَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جابر «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ» . فَهَذَا مُبَايِنٌ لِمَا ذَكَرَهُ الرافعي قَالَ: نَعَمْ ذِكْرُ الْعِشْرِينَ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوَتْرَ» ، زَادَ سليم الرازي فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ: وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي الْمُوَطَّأِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ عمر أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً - الْحَدِيثَ. انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِشْرِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>