تَنْبِيهٌ آخَرُ: ذَكَرَ الْحَافِظُ ابن حجر فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرافعي أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى فَائِدَةٍ مُهِمَّةٍ مِنِ اصْطِلَاحِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُبَيِّنَهَا ; لِأَنَّ مَنْ لَا إِلْمَامَ لَهُ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ لَا يَفْهَمُ مُرَادَهُ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي الْحَدِيثِ كَمَا رَأَى مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْفَنِّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ: «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ وعلي بَابُهَا» فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، فَظَنَّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ مَوْضُوعٌ ; لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْمُصْطَلَحِ وَجَهْلِهِ أَنَّ الْمُنْكَرَ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ الْوَارِدِ لَا مِنْ أَقْسَامِ الْبَاطِلِ الْمَوْضُوعِ، وَإِنَّمَا هَذَا لَفْظٌ اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ وَجَعَلُوهُ لَقَبًا لِنَوْعٍ مَحْدُودٍ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّعِيفِ، كَمَا اصْطَلَحَ النُّحَاةُ عَلَى جَعْلِهِمُ الْمَوْصُولَ مَثَلًا لَقَبًا لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ رَوَى فِي تَارِيخِهِ حَدِيثًا بَاطِلًا وَقَالَ عقبه: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، فَتَعَقَّبَهُ الذهبي فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ: الْعَجَبُ مِنَ الخطيب كَيْفَ يُطْلِقُ لَفْظَ الْمُنْكَرِ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْمُنْكَرَ عَلَى حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، وَوَصَفَ فِي الْمِيزَانِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ فِي مُسْنَدِ أحمد وَسُنَنِ أبي داود وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ بِأَنَّهَا مُنْكَرَةٌ، بَلْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَعْنًى يَعْرِفُهُ الْحُفَّاظُ وَهُوَ أَنَّ النَّكَارَةَ تَرْجِعُ إِلَى الْفَرْدِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْفَرْدِيَّةِ ضَعْفُ مَتْنِ الْحَدِيثِ فَضْلًا عَنْ بُطْلَانِهِ، وَطَائِفَةٌ كَابْنِ الصَّلَاحِ تَرَى أَنَّ الْمُنْكَرَ وَالشَّوَاذَّ مُتَرَادِفَانِ، وَكَمْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثٍ وُصِفَ بِالشُّذُوذِ، كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي نَفْيِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالشُّذُوذِ، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ شَرَطُوا فِي الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنَّ يَكُونَ مُخَرَّجًا فِي الصَّحِيحِ وَيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالشُّذُوذِ ; لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِكَ بِالضَّعْفِ، فَإِنَّ ابن الصلاح لَمَّا ذَكَرَ ضَابِطَ الصَّحِيحِ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ: فَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يُحْكَمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ هَذَا ضَابِطُ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مِنَ الصَّحِيحِ نَوْعٌ آخَرُ لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا الضَّابِطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ الزركشي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابن الصلاح: خَرَجَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ هَذَا التَّعْرِيفِ، ثُمَّ قَالَ ابن الصلاح بَعْدَ هَذَا: فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ: أَحَدُهَا الصَّحِيحُ يَتَنَوَّعُ إِلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَيَتَنَوَّعُ إِلَى مَشْهُورٍ وَغَرِيبٍ وَبَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ الزركشي فِي شَرْحِهِ، وَالْحَافِظُ ابن حجر فِي نُكَتِهِ عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ: ذَكَرَ الحاكم فِي الْمَدْخَلِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْحَدِيثِ يَنْقَسِمُ عَشَرَةَ أَقْسَامٍ: خَمْسَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَخَمْسَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا:
فَالْأَوَّلُ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهُوَ الدَّرَجَةُ الْأُولَى مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute