للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] هُوَ ظَاهِرٌ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهِمْ.

فَإِنْ قُلْتَ: لَا يَلْزَمُ.

قُلْتُ: ذَاكَ لِجَهْلِكَ بِقَوَاعِدِ الْمَعَانِي فَإِنَّ تَقْدِيمَ (لَكُمْ) يَسْتَلْزِمُهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ لِغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: ٤] أَنَّ تَقْدِيمَ هُمْ تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَكَمَا قَالَ الأصفهاني فِي قَوْلِهِ: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: ١٦٧] أَنَّ تَقْدِيمَ (هُمْ) يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُمُ الْمُوَحِّدُونَ.

الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: ٤٤] وَبِهَذِهِ الْآيَةِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ مِنْ وَصْفِ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ أُمَمِهِمْ، أَخْرَجَ ابن المنذر عَنْ عكرمة وَابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: ٤٤] الْآيَةَ. قَالَ: يَحْكُمُ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ كُلُّهُمْ يَحْكُمُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ لِيَهُودَ.

الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: مَا أَخْرَجَهُ إسحاق بن راهويه فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مكحول قَالَ: «كَانَ لعمر عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَتَاهُ يَطْلُبُهُ، فَقَالَ عمر: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْبَشَرِ لَا أُفَارِقُكَ، فَقَالَ الْيَهُودُ: وَاللَّهِ مَا اصْطَفَى اللَّهُ مُحَمَّدًا عَلَى الْبَشَرِ، فَلَطَمَهُ عمر، فَأَتَى الْيَهُودِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ يَا يَهُودِيُّ آدَمُ صَفِيُّ اللَّهِ وَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ، بَلْ يَا يَهُودِيُّ تَسَمَّى اللَّهُ بِاسْمَيْنِ سَمَّى اللَّهُ بِهِمَا أُمَّتِي هُوَ السَّلَامُ وَسَمَّى بِهَا أُمَّتِي الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ وَسَمَّى بِهَا أُمَّتِي الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ يَا يَهُودِيُّ طَلَبْتُمْ يَوْمَ ذُخْرٍ لَنَا، لَنَا الْيَوْمُ وَلَكُمْ غَدٌ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى، بَلْ يَا يَهُودِيُّ أَنْتُمُ الْأَوَّلُونَ وَنَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَلْ إِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى أَدْخُلَهَا، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتِي» ، هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ أُمَّتِهِ بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ كَمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ خَصَائِصُ لَهَا، وَلَوْ كَانَتِ الْأُمَمُ مُشَارِكَةً لَهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ إِيرَادُهُ فِي مَعْرِضِ التَّفْضِيلِ إِذَا كَانَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ: وَنَحْنُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَسَائِرُ الْأُمَمِ.

الدَّلِيلُ السَّادِسُ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، وابن مردويه فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: ٧٨] عَنِ الحارث الأشعري عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>