للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَلِيِّ فَائِدَةً حَسَنَةً فِي حَدِيثِ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» " فَقَالَ: إِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ تَجَلِّيَاتٌ فَرَأَى فِي بَعْضِهَا سَائِرَ أُمَّتِهِ الْآتِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ مُخَاطِبًا لَهُمْ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» وَارْتَضَى السبكي مِنْهُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقَالَ: إِنَّ الشَّيْخَ تاج الدين كَانَ مُتَكَلِّمَ الصُّوفِيَّةِ فِي عَصْرِهِ عَلَى طَرِيقِ الشَّاذِلِيَّةِ، انْتَهَى.

قُلْتُ: وَهُوَ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أبي العباس المرسي، وَالشَّيْخُ أبو العباس تِلْمِيذُ الشاذلي، وَقَدْ طَالَعْتُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ حَرْفًا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا صَرِيحًا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ سَيِّدِي علي بن وفا:

تَمَسَّكْ بِحُبِّ الشَّاذِلِيَّةِ تَلْقَ مَا ... تَرُومُ وَحَقِّقْ ذَا الرَّجَاءِ وَحَصِّلْ

وَلَا تَعْدُوَنْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ ... شُمُوسُ هُدًى فِي أَعْيُنِ الْمُتَأَمِّلْ

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ نَهْجِ الرَّشَادِ: وَمَا زَالَ عِبَادُ اللَّهِ الصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ يُنْكِرُونَ حَالَ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ يَكُونُ أَعْلَمَ وَأَقْدَرَ وَأَحْكَمَ مِنْ بَعْضٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ سعد الدين التفتازاني فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: وَأَمَّا الْمُنْتَمُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَمِنْهُمْ بَعْضُ غُلَاةِ الشِّيعَةِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ظُهُورُ الرُّوحَانِيِّ فِي الْجُسْمَانِيِّ كَجِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَكَبَعْضِ الْجِنِّ أَوِ الشَّيَاطِينِ فِي صُورَةِ الْأَنَاسِيِّ قَالُوا: فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صُورَةِ بَعْضِ الْكَامِلِينَ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ عَلِيٌّ وَأَوْلَاهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، قَالَ: وَمِنْهُمْ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ السَّالِكَ إِذَا أَمْعَنَ فِي السُّلُوكِ وَخَاضَ مُعْظَمَ لُجَّةِ الْوُصُولِ فَرُبَّمَا يَحِلُّ اللَّهُ فِيهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، كَالنَّارِ فِي الْجَمْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَايَزُ أَوْ يَتَّحِدُ بِهِ بِحَيْثُ لَا اثْنَيْنِيَّةَ وَلَا تَغَايُرَ، وَصَحَّ أَنْ يَقُولَ هُوَ أَنَا وَأَنَا هُوَ، قَالَ: وَفَسَادُ الرَّأْيَيْنِ غَنِيٌّ عَنِ الْبَيَانِ، قَالَ: وَهَاهُنَا مَذْهَبَانِ آخَرَانِ يُوهِمَانِ الْحُلُولَ أَوِ الِاتِّحَادَ وَلَيْسَا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّالِكَ إِذَا انْتَهَى سُلُوكُهُ إِلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ يَسْتَغْرِقُ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ وَالْعِرْفَانِ بِحَيْثُ تَضْمَحِلُّ ذَاتُهُ فِي ذَاتِهِ تَعَالَى، وَصِفَاتُهُ فِي صِفَاتِهِ، وَتَغِيبُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَلَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْفَنَاءَ فِي التَّوْحِيدِ، وَحِينَئِذٍ رُبَّمَا تَصْدُرُ عَنْهُ عِبَارَاتٌ تُشْعِرُ بِالْحُلُولِ أَوِ الِاتِّحَادِ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ بَيَانِ تِلْكَ الْحَالِ وَبُعْدِ الْكَشْفِ عَنْهَا بِالْمَقَالِ، وَنَحْنُ عَلَى سَاحِلِ التَّمَنِّي نَغْتَرِفُ مِنْ بَحْرِ التَّوْحِيدِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَنَعْتَرِفُ بِأَنَّ طَرِيقَ الْفَنَاءِ فِيهِ الْعِيَانُ دُونَ الْبُرْهَانِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمَذْهَبِ الثَّانِي وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ [وَقَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَإِنَّهُ أَيْضًا خَارِجٌ عَنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>