للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَالَمُونَ شَامِلٌ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا هُوَ شَامِلٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] شَامِلٌ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَمْ يَدُلَّ هُنَا دَلِيلٌ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى وُجُودِهِ لَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَدْ نُوزِعَ مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، فَمِنْ أَيْنَ تَخْصِيصُهُ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَقَطْ دُونَ الْمَلَائِكَةِ؟ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] فَإِنَّهُ أَيْضًا شَامِلٌ لِلْمَلَائِكَةِ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الشِّفَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: هَلْ أَصَابَكَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَخْشَى الْعَاقِبَةَ فَأَمِنْتُ لِثَنَاءِ اللَّهِ عَلَيَّ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: ٢٠] » ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى إِسْنَادٍ، وَأَمَّا مَا يَدُلُّ بِالْخُصُوصِ فَقَدِ اسْتَنْبَطْتُ أَدِلَّةً لَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهَا: الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَقْوَاهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦]-يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٧ - ٢٨] ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٢٩] .

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضحاك فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ} [الأنبياء: ٢٩] قَالَ: يَعْنِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَأَخْرَجَ ابن المنذر عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ} [الأنبياء: ٢٩] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ، وَأَخْرَجَ ابن المنذر، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وابن مردويه، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٢٩] . فَهَذِهِ الْآيَةُ إِنْذَارٌ لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] فَثَبَتَ بِذَلِكَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ أَقِفْ إِلَى الْآنِ عَلَى إِنْذَارٍ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ لِلْمَلَائِكَةِ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاضِحَةٌ ; لِأَنَّ غَالِبَ الْمَعَاصِي رَاجِعَةٌ إِلَى الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>