لَهُ وَكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ أَتْبَاعِهِ.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: فَيَوْمَئِذٍ أَكْمَلَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ، وَإِكْمَالُ الشَّرَفِ لَهُ بِبَعْثِهِ إِلَيْهِمْ وَكَوْنِهِمُ أَتْبَاعًا لَهُ، وَكَأَنَّهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَيُرَشِّحُ ذَلِكَ أَمْرٌ خَامِسٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ بَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ فِي الذِّكْرِ، فَكَمَا كَانَ شَرَفُهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِإِرْسَالِهِ إِلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَكَذَلِكَ شَرَفُهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بِإِرْسَالِهِ إِلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَتَمَّ لَهُ شَرَفُهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ، وَسَائِرٌ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى: الْبَاقِي، فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّهُ كَانَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِإِرْسَالِهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ أُرْسِلَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ تَمَّ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْخَلْقِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ.
وَأَخْرَجَ ابن مردويه عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَذَّنَ جِبْرِيلُ فَظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ، فَقَدَّمَنِي فَصَلَيْتُ بِالْمَلَائِكَةِ» .
الدَّلِيلُ السَّابِعُ: مَا أَخْرَجَهُ أبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَزَلَ آدَمُ بِالْهِنْدِ وَاسْتَوْحَشَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَنَادَى بِالْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ» ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ جِبْرِيلَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَّمَهَا لِآدَمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولٌ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ مَعًا.
الدَّلِيلُ الثَّامِنُ: مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وأنس، وجابر، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ «مَكْتُوبٌ عَلَى الْعَرْشِ وَعَلَى كُلِّ سَمَاءٍ وَعَلَى بَابِ الْجَنَّةِ وَعَلَى أَوْرَاقِ شَجَرِ الْجَنَّةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، فَمَا كُتِبَ ذَلِكَ فِي الْمَلَكُوتِ إِلَّا عَلَى دُونِ أَسْمَاءِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا لِتَشْهَدَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ، وَكَوْنِهِ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابن عساكر عَنْ كعب الأحبار أَنَّ آدَمَ أَوْصَى ابْنَهُ شيث فَقَالَ: كُلَّمَا ذَكَرْتَ اللَّهَ فَاذْكُرْ إِلَى جَنْبِهِ اسْمَ مُحَمَّدٍ فَإِنِّي رَأَيْتُ اسْمَهُ مَكْتُوبًا عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَأَنَا بَيْنُ الرُّوحِ وَالطِّينِ، ثُمَّ إِنِّي طَرَفْتُ فَلَمْ أَرَ فِي السَّمَاءِ مَوْضِعًا إِلَّا رَأَيْتُ اسْمَ مُحَمَّدٍ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا وَلَا غُرْفَةً إِلَّا اسْمَ مُحَمَّدٍ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ اسْمَ مُحَمَّدٍ مَكْتُوبًا عَلَى نُحُورِ الْحُورِ الْعَيْنِ، وَعَلَى وَرَقِ قَصَبِ آجَامِ الْجَنَّةِ، وَعَلَى وَرَقِ شَجَرَةِ طُوبَى، وَعَلَى وَرَقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَعَلَى أَطْرَافِ الْحُجُبِ، وَبَيْنَ أَعْيُنِ الْمَلَائِكَةِ، فَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَذْكُرُهُ فِي كُلِّ سَاعَاتِهَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَبِيُّ الْمَلَائِكَةِ، حَيْثُ لَمْ تَغْفُلْ عَنْ ذِكْرِهِ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْأَثَرِ فَائِدَةً لَطِيفَةً وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute