أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ إِلَى الْحُورِ الْعِينِ وَالْوِلْدَانِ، وَوَضَحَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَحَدٌ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ بِهَا مِمَّنْ خُلِقَ فِيهَا إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَعَلَّ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِ الْإِسْرَاءِ وَدُخُولِهِ إِلَى الْجَنَّةِ تَبْلِيغُ جَمِيعِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ فِي الْجَنَّاتِ مِنَ الْحُورِ وَالْوِلْدَانِ، وَمَنْ فِي الْبَرْزَخِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ رِسَالَتَهُ لِيُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوهُ مُشَافَهَةً فِي زَمَنِهِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ.
الدَّلِيلُ التَّاسِعُ: قَدْ صَرَّحَ السبكي فِي تَأْلِيفٍ لَهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ إِلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ عَلَيْهِمْ وَرَسُولٌ إِلَى جَمِيعِهِمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً» ، قَالَ: وَلِهَذَا أَخَذَ اللَّهُ الْمَوَاثِيقَ لَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: ٨١] قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السدي فِي الْآيَةِ قَالَ: لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ مِنْ لَدُنْ نُوحٍ إِلَّا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ. وَأَخْرَجَ ابن عساكر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ يَتَقَدَّمُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَلَمْ تَزَلِ الْأُمَمُ تَتَبَاشَرُ بِهِ وَتَسْتَفْتِحُ بِهِ.
وَأَخْرَجَ الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى آمِنْ بِمُحَمَّدٍ وَمُرْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أَمَتِّكَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، فَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ آدَمَ وَلَا الْجَنَّةَ وَلَا النَّارَ. قَالَ السبكي: عَرَفْنَا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ حُصُولَ الْكَمَالِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَخَذَ لَهُ الْمَوَاثِيقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ نَبِيُّهُمْ وَرَسُولُهُمْ، وَفِي أَخْذِ الْمَوَاثِيقِ وَهِيَ فِي مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ لَامُ الْقَسَمِ فِي لَتُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرَنَّهُ.
لَطِيفَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ كَأَنَّهَا أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ لِلْخُلَفَاءِ، وَلَعَلَّ أَيْمَانَ الْخُلَفَاءِ أُخِذَتْ مِنْ هُنَا فَانْظُرْ هَذَا التَّعْظِيمَ الْعَظِيمَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ، فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِهَذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَفِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَّى بِهِمْ. وَلَوِ اتَّفَقَ مَجِيئُهُ فِي زَمَنِ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أُمَمِهِمِ الْإِيمَانُ بِهِ وَنُصْرَتُهُ، وَبِذَلِكَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ، فَنُبُوَّتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute