عَلَيْهِمْ وَرِسَالَتُهُ إِلَيْهِمْ مَعْنًى حَاصِلٌ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمْرُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اجْتِمَاعِهِمْ مَعَهُ فَتَأَخَّرَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إِلَى وُجُودِهِمْ لَا إِلَى عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ تَوَقُّفِ الْفِعْلِ عَلَى قَبُولِ الْمَحَلِّ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْفَاعِلِ، فَهَاهُنَا لَا تَوَقُّفَ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ ذَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرِيفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ وُجُودِ الْعَصْرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَ فِي عَصْرِهِمْ لَزِمَهُمُ اتِّبَاعُهُ بِلَا شَكٍّ. وَلِهَذَا يَأْتِي عِيسَى فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَا فِيهَا مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْأُمَّةِ وَهُوَ نَبِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَانِهِ أَوْ فِي زَمَانِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَنُوحٍ، وَآدَمَ كَانُوا مُسْتَمِرِّينَ عَلَى نَبُّوتِهِمْ وَرِسَالَتِهِمْ إِلَى أُمَمِهِمْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ عَلَيْهِمْ وَرَسُولٌ إِلَى جَمِيعِهِمْ، فَنَبُّوتُهُمْ وَرِسَالَتُهُ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَأَعْظَمُ وَمُتَّفَقٌ مَعَ شَرَائِعِهِمْ فِي الْأُصُولِ ; لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ، وَتُقَدَّمُ شَرِيعَتُهُ فِيمَا عَسَاهُ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنَ الْفُرُوعِ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ النَّسْخِ، أَوْ لَا نَسْخَ وَلَا تَخْصِيصَ، بَلْ تَكُونُ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُولَئِكَ الْأُمَمِ مَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ، وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَوْقَاتِ، انْتَهَى كَلَامُ السبكي.
قُلْتُ: وَيَدُلُّ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا " «كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ". فَهَذَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ الَّذِي قَرَّرَهُ السبكي قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّرَفُ الْبُوصِيرِيُّ وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ مَوْلِدِ السبكي بِقَوْلِهِ فِي الْبُرْدَةِ:
وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسُلُ الْكِرَامُ بِهَا ... فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بِهِمْ
فَإِنَّهُ شَمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَوَاكِبُهَا ... يُظْهِرُونَ أَنْوَارَهَا لِلنَّاسِ فِي الظُّلَمْ
إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَبِيَّ الْأَنْبِيَاءِ وَرَسُولًا إِلَيْهِمْ وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ أَتْبَاعِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
الدَّلِيلُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أُمُورًا لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، مِنْهَا: قِتَالُهُمْ مَعَهُ، وَمِنْهَا مَشْيُهُمْ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِذَا مَشَى، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ أَتْبَاعِهِ وَدَاخِلُونَ فِي شَرْعِهِ، وَمِنْ كَلَامِ الرافعي فِي خُطْبَةِ الْمُحَرَّرِ: وَأَخْدَمَتْهُ الْمَلَائِكُ، وَقَالَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute