فَإِنْ قُلْتَ: بَيِّنْ لَنَا طَرِيقَ مَعْرِفَةِ عِيسَى بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ:
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِي زَمَانِهِمْ بِجَمِيعِ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ، وَبِالتَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَشَّرَ أُمَّتَهُ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ وَأَخْبَرَهُمْ بِجُمْلَةٍ مِنْ شَرِيعَتِهِ يَأْتِي بِهَا تُخَالِفُ شَرِيعَةَ عِيسَى، وَكَذَلِكَ وَقَعَ لِمُوسَى وَدَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَرَّبَ مُوسَى نَجِيًّا قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً أَنَاجِيلِهِمْ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَؤُونَهَا وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ يَقْرَؤُونَ كُتُبَهُمْ نَظَرًا وَلَا يَحْفَظُونَهَا فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً يَأْكُلُونَ صَدَقَاتِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ إِذَا أَخْرَجَ صَدَقَتَهُ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ لَمْ تَأْكُلْهَا النَّارُ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ.
فَهَذِهِ أَحْكَامٌ فِي شَرْعِنَا مُخَالِفَةٌ لِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا بَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُوسَى فَعَلِمَهَا بِالْوَحْيِ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا بِالتَّقْلِيدِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَيْضًا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى فِي الزَّبُورِ: يَا دَاوُدُ إِنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكَ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ صَادِقًا نَبِيًّا لَا أَغْضَبُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلَا يَعْصِينِي أَبَدًا، وَقَدْ غَفَرْتُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ النَّوَافِلِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ، وَافْتَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ حَتَّى يَأْتُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُورُهُمْ مِثْلُ نُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لِي كُلَّ صَلَاةٍ كَمَا افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْحَجِّ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْجِهَادِ كَمَا أَمَرْتُ الرُّسُلَ قَبْلَهُمْ، يَا دَاوُدُ إِنِّي فَضَّلْتُ مُحَمَّدًا وَأُمَّتَهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute