الْأُمَمِ كُلِّهِمْ، أَعْطَيْتُهُمْ خِصَالًا لَمْ أُعْطِهَا غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، لَا أُؤَاخِذُهُمْ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَكُلِّ ذَنْبٍ رَكِبُوهُ إِذَا اسْتَغْفَرُونِي مِنْهُ غَفَرْتُهُ، وَمَا قَدَّمُوا لِآخِرَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ عَجَّلْتُهُ لَهُمْ، وَلَهُمْ عِنْدِي أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَأَعْطَيْتُهُمْ عَلَى الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا إِذَا صَبَرُوا وَقَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ الصَّلَاةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْهُدَى إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كعب الأحبار كَيْفَ تَجِدُ نَعْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ كعب: نَجِدُهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَيُهَاجِرُ إِلَى طَابَةَ وَيَكُونُ مُلْكُهُ بِالشَّامِ، وَلَيْسَ بِفَاحِشٍ وَلَا بِسَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَافِئُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ سَرَّاءَ، وَيُكَبِّرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ نَجْدٍ، يُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ وَيَأْتَزِرُونَ فِي أَوْسَاطِهِمْ، يَصُفُّونَ فِي صَلَاتِهِمْ كَمَا يَصُفُّونَ فِي قِتَالِهِمْ، وَدَوِيُّهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُسْمَعُ مُنَادِيهِمْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ.
وَأَخْرَجَ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِفَتِي فِي الْإِنْجِيلِ أَحْمَدُ الْمُتَوَكِّلُ مَوْلِدُهُ مَكَّةَ وَمُهَاجَرُهُ إِلَى طِيبَةَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ وَلَا يُكَافِئُ بِالسَّيِّئَةِ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يَأْتَزِرُونَ عَلَى أَنْصَافِهِمْ وَيُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ، أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، يَصُفُّونَ لِلصَّلَاةِ كَمَا يَصُفُّونَ لِلْقِتَالِ، قُرْبَانُهُمُ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيَّ دِمَاؤُهُمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ لُيُوثٌ بِالنَّهَارِ» ، وَأَخْرَجَ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ كعب الأحبار قَالَ: صِفَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْكِتَابِ الْآخِرِ، وَيُقَاتِلُونَ أَهْلَ الضَّلَالَةِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الدَّجَّالَ، هُمُ الْحَمَّادُونَ رُعَاةُ الشَّمْسِ، الْمُحَكِّمُونَ، إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَمْرًا قَالَ أَفْعَلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِذَا أَشْرَفَ أَحَدُهُمْ عَلَى شَرَفٍ كَبَّرَ اللَّهَ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا حَمِدَ اللَّهَ، الصَّعِيدُ لَهُمْ طَهُورٌ وَالْأَرْضُ لَهُمْ مَسْجِدٌ حَيْثُ مَا كَانُوا، يَتَطَهَّرُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ، طُهُورُهُمْ بِالصَّعِيدِ كَطُهُورِهِمْ بِالْمَاءِ حَيْثُ لَا يَجِدُونَ الْمَاءَ، غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ.
فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا مُخَالِفَةٌ لِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، بَيَّنَهَا اللَّهُ لِأَنْبِيَائِهِ فِيمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكُتُبِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ بِبَيَانٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَتَرَكْتُهَا خَوْفَ الْإِطَالَةِ، وَوَرَدَتِ الْآثَارُ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ لِأَنْبِيَائِهِ فِي كُتُبِهِمْ جَمِيعَ مَا هُوَ وَاقِعٌ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute