للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنت سعد قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَرْقُدُ الْجُنُبُ؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَرْقُدَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُتَوَفَّى فَلَا يَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ» .

فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَحْضُرُ مَوْتَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ.

ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى حَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ نُزُولُ جِبْرِيلَ إِلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ "، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ الدَّجَّالِ قَالَ: «فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مِيكَائِيلُ بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ، وَيَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا جِبْرِيلُ بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ» . ثُمَّ رَأَيْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [القدر: ٤]- الْآيَةَ - عَنِ الضحاك أَنَّ الرُّوحَ هَنَا جِبْرِيلُ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَيُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَقَدْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِذَا نَزَلَ لَا يُوحَى إِلَيْهِ وَحْيًا حَقِيقِيًّا، بَلْ وَحْيَ إِلْهَامٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ سَاقِطٌ مُهْمَلٌ؛ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: مُنَابَذَتُهُ لِلْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُ: «فَبَيْنَاهُ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا عِيسَى، إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، حَوِّلْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ» . وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ وَحْيٌ حَقِيقِيٌّ لَا وَحْيَ إِلْهَامٍ، وَالثَّانِي: أَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ هَذَا الزَّاعِمُ مِنْ تَعَذُّرِ الْوَحْيِ الْحَقِيقِيِّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى نَبِيٌّ، فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ، فَإِنْ تَخَيَّلَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ عِيسَى قَدْ ذَهَبَ وَصْفُ النُّبُوَّةِ عَنْهُ وَانْسَلَخَ مِنْهُ فَهَذَا قَوْلٌ يُقَارِبُ الْكُفْرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَذْهَبُ عَنْهُ وَصْفُ النُّبُوَّةِ أَبَدًا وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ تَخَيَّلَ اخْتِصَاصَ الْوَحْيِ لِلنَّبِيِّ بِزَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ فَهُوَ [قَوْلٌ] لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَيُبْطِلُهُ ثُبُوتُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ أَلَمَّ السبكي بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ أَنَّهُ إِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ فِي زَمَانِهِ لَيُؤْمِنُ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وَيُوصِي أُمَّتَهُ بِذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّنْوِيهِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْظِيمِ قَدْرِهِ الْعَلِيِّ مَا لَا يَخْفَى، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَجِيئِهِ فِي زَمَانِهِمْ يَكُونُ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ، وَتَكُونُ نُبُوَّتُهُ وَرِسَالَتُهُ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ زَمَنِ آدَمَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتَكُونُ الْأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ كُلُّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّاسُ مِنْ زَمَانِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَلْ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَبْلَهُمْ أَيْضًا - إِلَى أَنْ قَالَ: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوِ اتَّفَقَ مَجِيئُهُ فِي زَمَنِ آدَمَ، وَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>