للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُرَيْجٍ يَقُولُ: مَا دَوَّنَ الْعِلْمَ تَدْوِينِي أَحَدٌ.

رَوَى عَنْ خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: الْمُقَرَّرُ فِي فَنِّ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّ مَا رُوِيَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ كَأُمُورِ الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ الرَّفْعُ لَا الْوَقْفُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحِ الرَّاوِي بِنِسْبَتِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ العراقي فِي الْأَلْفِيَّةِ:

وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بِحَيْثُ لَا ... يُقَالُ رَأْيًا حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى

مَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ نَحْوَ مَنْ أَتَى ... فَالْحَاكِمُ الرَّفْعُ لِهَذَا أُثْبِتَا

وَقَالَ فِي شَرْحِهَا: مَا جَاءَ مِنْ صَحَابِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ الرَّأْيُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، كَمَا قَالَ الإمام فخر الدين فِي " الْمَحْصُولِ " فَقَالَ: إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا لَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ، «كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ عَرَّافًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، تَرْجَمَ عَلَيْهِ الحاكم فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: مَعْرِفَةُ الْمَسَانِيدِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ سَنَدُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَمِثَالُ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ هَذَا أَحَدُهَا، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَدْخَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ " التَّقَصِّي " عِدَّةَ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا مالك فِي " الْمُوَطَّأِ " مَوْقُوفَةً مَعَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْكِتَابِ لِمَا فِي " الْمُوَطَّأِ " مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، مِنْهَا حَدِيثُ سهل بن أبي حثمة فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَقَالَ فِي " التَّمْهِيدِ ": هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عَلَى سهل فِي " الْمُوَطَّأِ " عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ مالك. قَالَ: وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ. انْتَهَى كَلَامُ العراقي فِي " شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ ".

وَقَالَ الحافظ أبو الفضل بن حجر فِي " شَرْحِ النُّخْبَةِ ": مِثَالُ الْمَرْفُوعِ مِنَ الْقَوْلِ حُكْمًا مَا يَقُولُهُ الصَّحَابِيُّ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِبَيَانِ لُغَةٍ أَوْ شَرْحِ غَرِيبٍ، كَالْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوِ الْآتِيَةِ كَالْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ وَأَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَذَا الْإِخْبَارُ عَمَّا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ أَوْ عِقَابٌ مَخْصُوصٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ إِخْبَارَهُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي مُخْبِرًا لَهُ، وَمَا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ يَقْتَضِي مُوقِفًا لِلْقَائِلِ بِهِ، وَلَا مُوقِفَ لِلصَّحَابَةِ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ، مِثَالُ الْمَرْفُوعِ مِنَ الْفِعْلِ حُكْمًا أَنْ يَفْعَلَ الصَّحَابِيُّ مَا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، فَيُنَزَّلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>