للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: أَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فِي الْقَبْرِ حِسَابٌ، وَفِي الْآخِرَةِ حِسَابٌ، فَمَنْ حُوسِبَ فِي الْقَبْرِ نَجَا، وَمَنْ حُوسِبَ فِي الْقِيَامَةِ عُذِّبَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الْمُصَنَّفِ ": حَدَّثَنَا عبد الرحيم بن سليمان، عَنْ مجالد، عَنْ محمد بن المنتشر، عَنِ ابن حراش، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إِنَّ فِي الْقَبْرِ حِسَابًا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابًا.

قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا يُحَاسَبُ الْمُؤْمِنُ فِي الْقَبْرِ لِيَكُونَ أَهْوَنَ عَلَيْهِ غَدًا فِي الْمَوْقِفِ، فَيُمَحَّصُ فِي الْبَرْزَخِ؛ لِيَخْرُجَ مِنَ الْقَبْرِ وَقَدِ اقْتُصَّ مِنْهُ، انْتَهَى.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صُورَتُهُ صُورَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَى حذيفة، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عائشة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُحَاسَبُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُغْفَرُ لَهُ، يَرَى الْمُسْلِمُ عَمَلَهُ فِي قَبْرِهِ» .

وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، والحاكم وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا الْبَوْلَ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْقَبْرِ» .

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ مِنْ ثَلَاثَةٍ: مِنَ الْغِيبَةِ، وَالنَّمِيمَةِ، وَالْبَوْلِ، فَإِيَّاكُمْ وَذَلِكَ» ، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، قَالَ ابن رجب: قَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمُ السِّرَّ فِي تَخْصِيصِ الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَفِيهِ أُنْمُوذَجُ مَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ. وَالْمَعَاصِي الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَوْعَانِ: حَقٌّ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِعِبَادِهِ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الصَّلَاةُ، وَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الدِّمَاءُ.

وَأَمَّا الْبَرْزَخُ فَيُقْضَى فِيهِ فِي مُقَدِّمَاتِ هَذَيْنِ الْحَقَّيْنِ وَوَسَائِلِهِمَا، فَمُقَدِّمَةُ الصَّلَاةِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَمُقَدِّمَةُ الدِّمَاءِ النَّمِيمَةُ وَالْوَقِيعَةُ فِي الْأَعْرَاضِ، وَهُمَا أَيْسَرُ أَنْوَاعِ الْأَذَى، فَيُبْدَأُ فِي الْبَرْزَخِ بِالْمُحَاسَبَةِ وَالْعِقَابِ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى.

قَالَ ابن رجب: وَرَوَى ابن عجلان عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يُقَالُ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا دَخَلَ قَبْرَهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوَّلَ شَيْءٍ يُسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ جَازَتْ لَهُ صَلَاتُهُ نُظِرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ بَعْدُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: إِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى كَوْنِ الْفِتْنَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مَشْرُوعِيَّةُ التَّلْقِينِ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ. فَالْجَوَابُ: لَا، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ التَّلْقِينَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ، بَلْ حَدِيثُهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ إِلَى أَنَّ التَّلْقِينَ بِدْعَةٌ، وَآخِرُ مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ الشَّيْخُ عز الدين بن عبد السلام، وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّهُ ابن الصلاح

<<  <  ج: ص:  >  >>