للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَقَرَّبُ إِلَى مَنْ يَعْرِفُهُ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ شَيْئًا حَسَنًا، فَقَالَ: قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ تَتَعَارَضُ الْخَوَاطِرُ وَالطُّرُقُ، إِذْ مَا مِنْ خَاطِرٍ يَعْرِضُ لَهُ إِلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ أَنْ يَخْطُرَ خَاطِرٌ آخَرُ عَلَى نَقِيضِهِ، فَتَتَعَارَضُ الْخَوَاطِرُ وَيَقَعُ الْعَقْلُ فِي حَيْرَةٍ وَدَهْشَةٍ، فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ إِلَى أَنْ تَنْكَشِفَ الْغُمَّةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِمَجِيءِ الرَّسُولِ، وَهَاهُنَا قَالَ الأستاذ أبو إسحاق: إِنَّ قَوْلَ " لَا أَدْرِي " نِصْفُ الْعِلْمِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ انْتَهَى عِلْمِي إِلَى حَدٍّ وَقَفَ عِنْدَ مَجَازِهِ الْعَقْلُ - وَهَذَا إِنَّمَا يَقُولُهُ مَنْ دَقَّقَ فِي الْعِلْمِ وَعَرَفَ مَجَارِيَ الْعَقْلِ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ وَيَقِفُ عِنْدَهُ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْإِمَامُ فخر الدين الرازي فِي " الْمَحْصُولِ ": شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَا يَجِبُ عَقْلًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ؛ لَنَا أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَعُذِّبَ تَارِكُهُ، فَلَا وُجُوبَ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَبَيِّنَةٌ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا تَعْذِيبَ فَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] نَفَى التَّعْذِيبَ إِلَى غَايَةِ الْبَعْثَةِ فَيَنْتَفِي، وَإِلَّا وَقَعَ الْخُلْفُ فِي قَوْلِ اللَّهِ، وَهُوَ مُحَالٌ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ أَتْبَاعُهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كَصَاحِبِ " الْحَاصِلِ وَالتَّحْصِيلِ "، وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي تاج الدين السبكي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابن الحاجب عَلَى مَسْأَلَةِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ: تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَعِنْدَنَا يَمُوتُ نَاجِيًا وَلَا يُقَاتَلُ حَتَّى يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي " التَّهْذِيبِ ": أَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَجَبَ فِي قَتْلِهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِقَتْلِهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِعَقْلِهِ، وَعِنْدَنَا هُوَ غَيْرُ مَحْجُوجٍ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ، انْتَهَى.

وَقَالَ الرافعي فِي الشَّرْحِ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ الْإِعْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قُتِلَ كَانَ مَضْمُونًا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَبُنِيَ الْخِلَافُ عَلَى أَنَّهُ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُؤَاخَذَةُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] انْتَهَى.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْبَسِيطِ ": مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يُضْمَنُ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ لَا بِالْقِصَاصِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمًا عَلَى التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِ.

وَقَالَ ابن الرفعة فِي " الْكِفَايَةِ ": لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ عَلَى الْفِطْرَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عِنَادٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>