للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّيْخَ عز الدين بن عبد السلام قَالَ فِي أَمَالِيهِ مَا نَصُّهُ: كُلُّ نَبِيٍّ إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى قَوْمِهِ، إِلَّا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا عَدَا قَوْمَ كُلِّ نَبِيٍّ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ إِلَّا ذُرِّيَّةَ النَّبِيِّ السَّابِقِ، فَإِنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِبَعْثَةِ السَّابِقِ، إِلَّا أَنْ تَدْرُسَ شَرِيعَةُ السَّابِقِ فَيَصِيرَ الْكُلُّ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ. هَذَا كَلَامُهُ، فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ ذُرِّيَّةِ عِيسَى وَلَا مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ يُرَشِّحُ مَا قَالَ حَافِظُ الْعَصْرِ أبو الفضل بن حجر: إِنَّ الظَّنَّ بِهِمَا أَنْ يُطِيعَا عِنْدَ الِامْتِحَانِ - أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا أَخْرَجَهُ الحاكم فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ: لَمْ أَرَ رَجُلًا كَانَ أَكْثَرَ سُؤَالًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَبَوَاكَ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: مَا سَأَلْتُهُمَا رَبِّي فَيُطِيعَنِي فِيهِمَا، وَإِنِّي لَقَائِمٌ يَوْمَئِذٍ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ. فَهَذَا الْحَدِيثُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرْتَجِي لَهُمَا الْخَيْرَ عِنْدَ قِيَامِهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْفَعَ لَهُمَا فَيُوَفَّقَا لِلطَّاعَةِ إِذَا امْتُحِنَا حِينَئِذٍ كَمَا يُمْتَحَنُ أَهْلُ الْفَتْرَةِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ عِنْدَ قِيَامِهِ ذَلِكَ الْمَقَامَ: سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَإِذَا سَأَلَ ذَلِكَ أُعْطِيَهُ» .

الْأَمْرُ الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: ٥] قَالَ: مِنْ رِضَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ؛ وَلِهَذَا عَمَّمَ الحافظ ابن حجر فِي قَوْلِهِ: الظَّنُّ بِآلِ بَيْتِهِ كُلِّهِمْ أَنْ يُطِيعُوا عِنْدَ الِامْتِحَانِ.

وَحَدِيثٌ ثَالِثٌ: أَخْرَجَ أبو سعيد فِي شَرَفِ النُّبُوَّةِ وَالْمُلَّا فِي سِيرَتِهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُدْخِلَ النَّارَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَأَعْطَانِي ذَلِكَ» . أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ محب الدين الطبري فِي كِتَابِهِ " ذَخَائِرِ الْعُقْبَى ".

وَحَدِيثٌ رابع أَصْرَحُ مِنْ هَذَيْنِ: أَخْرَجَ تمام الرازي فِي فَوَائِدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شَفَعْتُ لِأَبِي وَأُمِّي وَعَمِّي أبي طالب وَأَخٍ لِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . أَوْرَدَهُ المحب الطبري - وَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ وَالْفُقَهَاءِ - فِي كِتَابِهِ " ذَخَائِرِ الْعُقْبَى فِي مَنَاقِبِ ذَوِي الْقُرْبَى " وَقَالَ: إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ فِي أبي طالب عَلَى مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ بِشَفَاعَتِهِ، انْتَهَى.

وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى تَأْوِيلِهِ فِي أبي طالب دُونَ الثَّلَاثَةِ: أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ - يَعْنِي مِنَ الرَّضَاعَةِ - لِأَنَّ أبا طالب أَدْرَكَ الْبَعْثَةَ وَلَمْ يُسْلِمْ، وَالثَّلَاثَةُ مَاتُوا فِي الْفَتْرَةِ.

وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَضْعَفَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ أبو نعيم وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>