التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأَخَ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
فَهَذِهِ أَحَادِيثُ عِدَّةٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ، وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ الحاكم صَحَّحَهُ، وَمِمَّا يُرَشِّحُ مَا نَحْنُ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: ثَنَا القاسم بن هاشم السمسار، ثَنَا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّمْلِيُّ، عَنْ أبي معشر، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَلْتُ رَبِّي أَبْنَاءَ الْعِشْرِينَ مِنْ أُمَّتِي فَوَهَبَهُمْ لِي» .
وَمِمَّا يَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ - مَا أَخْرَجَهُ الديلمي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَنْ أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَهْلُ بَيْتِي، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ» . وَمَا أَوْرَدَهُ المحب الطبري فِي ذَخَائِرِ الْعُقْبَى، وَعَزَاهُ لأحمد فِي الْمَنَاقِبِ، عَنْ علي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا، لَوْ أَخَذْتُ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ مَا بَدَأْتُ إِلَّا بِكُمْ» . وَهَذَا أَخْرَجَهُ الخطيب فِي تَارِيخِهِ، مِنْ حَدِيثِ يغنم عَنْ أَنَسٍ.
وَمَا أَوْرَدَهُ أَيْضًا وَعَزَاهُ لِابْنِ الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَحِمِي لَا يَنْتَفِعُ، بَلَى حَتَّى تَبْلُغَ حَكَمَ - وَهُمْ أَحَدُ قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْيَمَنِ - إِنِّي لَأَشْفَعُ فَأُشَفَّعُ، حَتَّى إِنَّ مَنْ أَشْفَعُ لَهُ لَيَشْفَعُ فَيُشَفَّعُ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لَيَتَطَاوَلُ طَمَعًا فِي الشَّفَاعَةِ» . وَنَحْوُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أم هانئ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ شَفَاعَتِي لَا تَنَالُ أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّ شَفَاعَتِي تَنَاوَلُ حَاءَ وَحَكَمَ» .
لَطِيفَةٌ: نَقَلَ الزركشي فِي " الْخَادِمِ "، عَنِ ابن دحية، أَنَّهُ جَعَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّفَاعَاتِ التَّخْفِيفَ عَنْ أبي لهب فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ؛ لِسُرُورِهِ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْتَاقِهِ ثويبة حِينَ بُشِّرَ بِهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا هِيَ كَرَامَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَنْبِيهٌ: ثُمَّ رَأَيْتُ الْإِمَامَ أبا عبد الله محمد بن خلف الأبي، بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " عِنْدَ حَدِيثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» . فَأَوْرَدَ قَوْلَ النووي فِيهِ، أَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِرًا فِي النَّارِ، وَلَا تَنْفَعُهُ قَرَابَةُ الْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: انْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ.
وَقَدْ قَالَ السهيلي: لَيْسَ لَنَا أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ» .
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: ٥٧] وَلَعَلَّهُ يَصِحُّ مَا جَاءَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، فَأَحْيَا لَهُ أَبَوَيْهِ، فَآمَنَا بِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ هَذَا، وَلَا يُعْجِزُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ، ثُمَّ أَوْرَدَ قَوْلَ النووي، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فِي النَّارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute