للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِقَامَتِهَا هُنَاكَ مِنْ أَجْلِ الْكُفَّارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ كَتَبَ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُجَمِّعُوا فَجَمَّعُوا، وَاتَّفَقَ أَنَّ عِدَّتَهُمْ إِذْ ذَاكَ كَانَتْ أَرْبَعِينَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ دُونَ الْأَرْبَعِينَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ وَقَائِعَ الْأَعْيَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَرُدُّهُ حَدِيثُ الِانْفِضَاضِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ أَتَمَّهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَعْيِينَ الْأَرْبَعِينَ لَا يُشْتَرَطُ، وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أبي مسعود الأنصاري قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْمَدِينَةَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَمَّعَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنِ حَدِيثِ كعب بِأَنَّ سعدا كَانَ أَمِيرًا وَكَانَ مصعب إِمَامًا، وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْبَيْهَقِيِّ بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الْأَرْبَعِينَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْجَمَاعَةُ ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ آخِرَ مَنْ أَتَاهُ وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَقَالَ: ( «إِنَّكُمْ مُصِيبُونَ وَمَنْصُورُونَ وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلْيَصِلِ الرَّحِمَ» ) فَاسْتِدْلَالُهُ بِهَذَا فِي غَايَةِ الْعَجَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ قَصَدَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْمَعَ أَصْحَابَهُ لِيُبَشِّرَهُمْ، فَاتَّفَقَ أَنِ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْهُمْ هَذَا الْعَدَدُ فَهَلْ يُظَنُّ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ أَقَلُّ مِنْهُمْ لَمْ يَفْعَلْ مَا دَعَاهُمْ لِأَجْلِهِ؟ وَإِيرَادُ الْبَيْهَقِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ لِلْمَسْأَلَةِ صَرِيحًا، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: ( «إِذَا رَاحَ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلًا إِلَى الْجُمُعَةِ كَانُوا كَسَبْعِينَ مُوسَى الَّذِينَ وَفَدُوا إِلَى رَبِّهِمْ أَوْ أَفَضْلَ» ) وَلَمْ يَسْتَدِلَّ أَحَدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ سَبْعِينَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّهُ أَوْجَهُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعَدَدِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَرْبَعِينَ: مُسْتَنَدُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْعَدَدِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الظُّهْرِ الْإِتْمَامُ إِلَّا بِشَرَائِطَ، وَالْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ شَرْطٌ، وَلِلشَّرْعِ اعْتِنَاءٌ بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَلِذَلِكَ لَا تَنْعَقِدُ جُمُعَتَانِ فِي بَلْدَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَنَدِ التَّقْدِيرِ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاقْتِدَاءُ غَيْرُ كَافٍ فَيَكْفِي أَدْنَى مُسْتَنَدٍ، وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا جُمُعَةً» ، وَاسْتَأْنَسَ الشَّافِعِيُّ بِمَذْهَبِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَحَدٌ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعِينَ، فَكَانَ هَذَا الِاتِّقَاءَ بِالِاحْتِيَاطِ - هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، وَفِي النِّهَايَةِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ نَحْوُهُ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْمُسْتَنَدِ الْمُرَكَّبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثٍ آخَرَ، وَمَعَ كَوْنِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>