للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِسُنَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَادُهُ وُقُوعُ الرُّؤْيَةِ الْمَوْعُودِ بِهَا فِي الْيَقَظَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي الْمَنَامِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَحْقِيقًا لِوَعْدِهِ الشَّرِيفِ الَّذِي لَا يُخْلَفُ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْعَامَّةِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، فَلَا يَخْرُجُ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَفَاءً بِوَعْدِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَتَحْصُلُ لَهُمُ الرُّؤْيَةُ فِي طُولِ حَيَاتِهِمْ إِمَّا كَثِيرًا وَإِمَّا قَلِيلًا بِحَسْبِ اجْتِهَادِهِمْ وَمُحَافَظَتِهِمْ عَلَى السُّنَّةِ، وَالْإِخْلَالُ بِالسُّنَّةِ مَانِعٌ كَبِيرٌ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مطرف قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: قَدْ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتَرَكَ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مطرف قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ [فِيهِ] فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّي وَإِنْ مُتُّ فَحَدِّثْ بِهَا إِنْ شِئْتَ، إِنَّهُ قَدْ سُلِّمَ عَلَيَّ، قَالَ النووي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ فَكَانَ يَصْبِرُ عَلَى أَلَمِهَا، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَاكْتَوَى وَانْقَطَعَ سَلَامُهُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَرَكَ الْكَيَّ فَعَادَ سَلَامُهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّي، أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُشَاعَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ القرطبي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَعْنِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِكْرَامًا لَهُ وَاحْتِرَامًا إِلَى أَنِ اكْتَوَى فَتَرَكَتِ السَّلَامَ عَلَيْهِ، فَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. انْتَهَى.

وَأَخْرَجَ الحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: اعْلَمْ يَا مطرف أَنَّهُ كَانَتْ تُسَلِّمُ عَلَيَّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَأْسِي وَعِنْدَ الْبَيْتِ وَعِنْدَ بَابِ الْحُجْرَةِ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ ذَهَبَ ذَاكَ، قَالَ: فَلَمَّا بَرَأَ كَلَّمَهُ، قَالَ: اعْلَمْ يَا مطرف أَنَّهُ عَادَ إِلَيَّ الَّذِي كُنْتُ أَفْقِدُ، اكْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى أَمُوتَ. فَانْظُرْ كَيْفَ حُجِبَ عمران عَنْ سَمَاعِ تَسْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ لِكَوْنِهِ اكْتَوَى مَعَ شِدَّةِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَيَّ خِلَافُ السُّنَّةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ عَلَى طَرِيقِ التَّحْرِيمِ لَمْ يَكْتَوِ عمران مَعَ عِلْمِهِ بِالنَّهْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ رَكِبَ الْمَكْرُوهَ فَفَارَقَهُ مَلَكٌ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَحَزِنَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ، ثُمَّ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَلَمَّا اكْتَوَى بِسَبَبِ مَرَضِهِ تَرَكُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَيَّ يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ وَالتَّسْلِيمِ إِلَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا يُبْتَلَى بِهِ الْعَبْدُ، وَطَلَبُ الشِّفَاءِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي جَوَازِ الْكَيِّ، وَلَكِنَّهُ قَادِحٌ فِي التَّوَكُّلِ وَهِيَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ وَرَاءَ مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ، وَأَخْرَجَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>