قَتَادَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تُصَافِحُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ حَتَّى اكْتَوَى فَتَنَحَّتْ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا الْبَصْرَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً تُسَلِّمُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ جَوَانِبِ بَيْتِهِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وأبو نعيم، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ غزالة قَالَتْ: كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ يَأْمُرُنَا أَنْ نَكْنُسَ الدَّارَ، وَنَسْمَعُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَلَا نَرَى أَحَدًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْمُنْقِذِ مِنَ الضَّلَالِ: ثُمَّ إِنَّنِي لَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الْعُلُومِ أَقْبَلْتُ بِهِمَّتِي عَلَى طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ وَالْقَدْرُ الَّذِي أَذْكُرُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ابْنِي، عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الصُّوفِيَّةَ هُمُ السَّالِكُونَ لِطُرُقِ اللَّهِ خَاصَّةً، وَأَنَّ سَيْرَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ أَحْسَنُ السِّيَرِ، وَطَرِيقَهُمْ أَحْسَنُ الطُّرُقِ، وَأَخْلَاقَهُمْ أَزْكَى الْأَخْلَاقِ، بَلْ لَوْ جُمِعَ عَقْلُ الْعُقَلَاءِ وَحِكْمَةُ الْحُكَمَاءِ وَعِلْمُ الْوَاقِفِينَ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِيُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ سِيَرِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَيُبَدِّلُوهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لَمْ يَجِدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَإِنَّ جَمِيعَ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ فِي ظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ مُقْتَبَسَةٌ [مِنْ نُورِ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ] وَلَيْسَ وَرَاءَ نُورِ النُّبُوَّةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ - إِلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى إِنَّهُمْ وَهُمْ فِي يَقَظَتِهِمْ يُشَاهِدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَأَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُمْ أَصْوَاتًا وَيَقْتَبِسُونَ مِنْهُمْ فَوَائِدَ ثُمَّ يَتَرَقَّى الْحَالُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الصُّوَرِ وَالْأَمْثَالِ إِلَى دَرَجَاتٍ يَضِيقُ عَنْهَا نِطَاقُ النُّطْقِ، هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ.
وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِ قَانُونِ التَّأْوِيلِ: ذَهَبَتِ الصُّوفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ لِلْإِنْسَانِ طَهَارَةُ النَّفْسِ فِي تَزْكِيَةِ الْقَلْبِ وَقَطْعُ الْعَلَائِقِ وَحَسْمُ مَوَادِ أَسْبَابِ الدُّنْيَا مِنَ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْخُلْطَةِ بِالْجِنْسِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُلِّيَّةِ عِلْمًا دَائِمًا وَعَمَلًا مُسْتَمِرًّا كُشِفَتْ لَهُ الْقُلُوبُ وَرَأَى الْمَلَائِكَةَ وَسَمِعَ أَقَوَالَهُمْ وَاطَّلَعَ عَلَى أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَمِعَ كَلَامَهُمْ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ عِنْدِهِ: وَرُؤْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَسَمَاعُ كَلَامِهِمْ مُمْكِنٌ لِلْمُؤْمِنِ كَرَامَةً وَلِلْكَافِرِ عُقُوبَةً. انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ عز الدين بن عبد السلام فِي الْقَوَاعِدِ الْكُبْرَى: وَقَالَ ابن الحاج فِي الْمَدْخَلِ: رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَقَظَةِ بَابٌ ضَيِّقٌ وَقَلَّ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ عَزِيزٌ وُجُودُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ عُدِمَتْ غَالِبًا، مَعَ أَنَّنَا لَا نُنْكِرُ مَنْ يَقَعُ لَهُ هَذَا مِنَ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ حَفِظَهُمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute