للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَثَ نَبِيٌّ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وأبو المقدام هُوَ ثابت بن هرمز [الكوفي] شَيْخٌ صَالِحٌ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَارِيخِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وأبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمُوتُ فَيُقِيمُ فِي قَبْرِهِ إِلَّا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» ) وَقَالَ إمام الحرمين فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ الرافعي فِي الشَّرْحِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي مِنْ أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ» ) زَادَ إمام الحرمين: وَرُوِيَ: أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّاغُونِيِّ الْحَنْبَلِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ حَدِيثًا أَنَّ اللَّهَ لَا يَتْرُكُ نَبِيًّا فِي قَبْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ بدر الدين بن الصاحب فِي تَذْكِرَتِهِ - فَصْلٌ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْبَرْزَخِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ الشَّارِعِ وَإِيمَاؤُهُ، وَمِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] فَهَذِهِ الْحَالَةُ وَهِيَ الْحَيَاةُ فِي الْبَرْزَخِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَاصِلَةٌ لِآحَادِ الْأُمَّةِ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَحَالُهُمْ أَعْلَى وَأَفْضَلُ مِمَّنْ تَكُنْ لَهُ هَذِهِ الرُّتْبَةُ لَا سِيَّمَا فِي الْبَرْزَخِ، وَلَا تَكُونُ رُتْبَةُ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ أَعْلَى مِنْ رُتْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ هَذِهِ الرُّتْبَةُ بِتَزْكِيَتِهِ وَتَبَعِيَّتِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوا هَذِهِ الرُّتْبَةَ بِالشَّهَادَةِ، وَالشَّهَادَةِ حَاصِلَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِثْبَاتِ الْحَيَاةِ لِمُوسَى فَإِنَّهُ وَصَفَهُ بِالصَّلَاةِ وَأَنَّهُ كَانَ قَائِمًا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ الرُّوحُ وَإِنَّمَا وُصِفَ بِهِ الْجَسَدُ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْقَبْرِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْصَافِ الرُّوحِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَخْصِيصِهِ بِالْقَبْرِ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ أَنَّ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ مَسْجُونَةٌ فِي الْقَبْرِ مَعَ الْأَجْسَادِ، وَأَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ أَوِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: وَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى وَاضِعًا أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ صُوفٌ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا» "، سُئِلَ هُنَا: كَيْفَ ذَكَرَ حَجَّهُمْ وَتَلْبِيَتَهُمْ وَهُمْ أَمْوَاتٌ وَهُمْ فِي الْأُخْرَى وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَحُجُّوا وَيُصَلُّوا وَيَتَقَرَّبُوا بِمَا اسْتَطَاعُوا، وَأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>