فَإِنْ قُلْتَ: بَقِيَ وَجْهُ إِبْطَالِ الْحَالِ. قُلْتُ: إِذَا قُدِّرَ " أُسَبِّحُ " أَوْ " أَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ مُوَازِنًا لِعَرْشِهِ " فَإِنْ جُعِلَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ نَافَرَهُ كَوْنُ " زِنَةَ عَرْشِهِ " وَمَا بَعْدَهُ جَارِيًا عَلَى سُبْحَانَ لَا عَلَى قَائِلِهِ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ نَافَرَهُ أَنَّ الْمَفْعُولَ هُنَا مُطْلَقٌ، وَالْمَعْهُودُ مَجِيءُ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يَطَّرِدُ التَّقْدِيرُ بِالْمُشْتَقِّ فِي " مِدَادَ كَلِمَاتِهِ " كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَبَطَلَ الْحَالُ. وَبَقِيَ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُمْكِنَةِ فِي إِعْرَابِهِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا أَنْ يُجْعَلَ مَفْعُولًا بِهِ لِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ يَبْلُغُ زِنَةَ عَرْشِهِ أَوْ بَالِغًا زِنَةَ عَرْشِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ مِقْدَارًا، وَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " مَفْعُولٌ أَوَّلُ، وَ " زِنَةَ عَرْشِهِ " مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجْرِي الْقَوْلَ مَجْرَى ظَنَّ بِلَا شَرْطٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِكَانَ مُقَدَّرَةً هِيَ وَاسْمَهَا ضَمِيرًا رَاجِعًا إِلَى التَّسْبِيحِ، وَتُقَدَّرُ إِمَّا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ أَوِ اسْمِ الْفَاعِلِ. الرَّابِعُ: وَهُوَ خَاصٌّ بِرِضَا نَفْسِهِ أَنْ يُجْعَلَ مَفْعُولًا لَهُ عَلَى جَعْلِ الرِّضَا بِمَعْنَى الْإِرْضَاءِ، كَقَوْلِكَ: سَبَّحْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَكُلُّهَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَالْعُمْدَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ آخِرُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ حَدِيثِ: " «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، إِلَّا مَرِيضٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ» ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ، فَيَكُونُ مَا بَعْدَ " إِلَّا " وَاجِبَ النَّصْبِ، فَمَا وَجْهُ رَفْعِهِ؟ وَخَاضَ النَّاسُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ " إِلَّا " مَنْصُوبَةٌ، وَلَكِنْ كُتِبَتْ بِلَا أَلِفٍ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ. قَالَ النووي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِسْرَاءِ " «وَأَرَى مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ» " -: وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ " مَالِكٌ " بِالرَّفْعِ، وَهَذَا قَدْ يُنْكَرُ وَيُقَالُ: هَذَا لَحْنٌ لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلَكِنْ عِنْدِي جَوَابٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ " مَالِكٌ " مَنْصُوبَةٌ، وَلَكِنْ أُسْقِطَتِ الْأَلِفُ فِي الْكِتَابَةِ، وَهَذَا يَفْعَلُهُ الْمُحَدِّثُونَ كَثِيرًا، فَيَكْتُبُونَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِغَيْرِ أَلْفٍ وَيَقْرَءُونَهُ بِالنَّصْبِ، فَكَذَلِكَ " مَالِكٌ " كَتَبُوهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَيَقْرَءُونَهُ بِالنَّصْبِ، فَهَذَا -إِنْ شَاءَ اللَّهُ -مِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَالُ فِيهِ، هَذَا كَلَامُ النووي. وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابِ الْحَجِّ: " «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنً» " - هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ " قَرْنً " بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ النُّونِ، وَهُوَ مَصْرُوفٌ ; لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجَبَلٍ، وَيُقْرَأُ مُنَوَّنًا، وَإِنَّمَا حَذَفُوا الْأَلِفَ مِنْهُ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute