للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَيَانِ عَلَى نَحْوِ الْعَضُدِ، وَالْحَاشِيَةِ، وَالْمُطَوَّلِ، وَحَاشِيَتِهِ فَتَجِدُونَ فِيهَا أَبْحَاثًا فَتَظُنُّونَ أَنَّهَا مَنْقُولَاتُ أَهْلِ الْفَنِّ أَوِ الْمَجْزُومُ بِهَا فَتَعْتَمِدُونَهَا وَتَدَّعُونَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَيْهَا وَتَشْرَبُهَا قُلُوبُكُمْ وَتَضْرِبُونَ عَنْ غَيْرِهَا صَفْحًا، وَلَوْ تَجَاوَزْتُمْ إِلَى كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَأَلْمَمْتُمْ بِمَا حَوَتْهُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمَبَاحِثِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَالتَّفْرِيعَاتِ لَعَلِمْتُمْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَا لَا أَعْتَقِدُ فِي الْأُصُولِ عَلَى أُنَاسٍ قُصَارَى أَمْرِهِمُ الرُّجُوعُ إِلَى الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَتَنْزِيلُ الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَيْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا أَعْتَمِدُ عَلَى أَئِمَّةٍ جَامِعِينَ لِلْأُصُولِ وَالْفِقْهِ مُتَضَلِّعِينَ مِنْهَا مُحِيطِينَ بِقَوَاعِدِهِمَا عَارِفِينَ بِتَرْكِيبِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ، قَدْ خَالَطَتْ عُلُومُ الشَّرْعِ وَالسُّنَنِ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ رِسَالَةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُبْتَكِرِ هَذَا الْفَنِّ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ الشُّرُوحِ الْمُطْنِبَةِ وَمَا تَلَا ذَلِكَ إِلَى كُتُبِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَالْكَيَا الْهَرَّاسِيِّ، وَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَالْإِمَامِ فخر الدين الرازي، وَالسَّيْفِ الْآمِدِيِّ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَبَعْدُ: فَالْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَبِ وَالِابْنِ مُتَوَاطِئٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُسْتَوْفِي النِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا بِلَا شُبْهَةٍ، كَيْفَ وَمَعْنَى الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَفَاوَتُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَبِ وَالِابْنِ كَمَا لَا يَتَفَاوَتُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَالطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَتَفَاوُتُهُ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَتَفَاوُتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَذْكُورَاتِ، وَلَيْسَ بِالنِّسْبَةِ لِمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ الَّتِي هِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ وَالنَّاطِقِيَّةُ، بِخِلَافِ تَفَاوُتِ النُّورِ فِي الشَّمْسِ وَالسِّرَاجِ، فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى جِنْسِ الْمُسَمَّى وَمَاهِيَّتِهِ هَذَا أَمْرٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الرَّابِعِ إِلَى آخِرِهِ أَقُولُ: مَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ لَفْظِ الْقَبِيحِ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، جَوَابُهُ الْمَنْعُ وَمَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ، إِنَّمَا قَالَهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، فَجَعَلَ الْقَرْيَةَ مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَتِهَا كَمَا سُئِلَ وَالْمَجَازُ فِي إِسْنَادِ السُّؤَالِ إِلَيْهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا مَجَازُ تَرْكِيبٍ لَا مَجَازُ إِفْرَادٍ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَجَازُ إِفْرَادٍ فَالْقَرْيَةُ قَطْعًا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ وَهُوَ الْأَهْلُ فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَهُ فِي الْمَعْنَى كَمَا قَامَتْ مَقَامَهُ فِي الْإِعْرَابِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ انْطِبَاقُ حَدِّ الْمَجَازِ عَلَى مِثْلِ هَذَا.

وَقَوْلُهُ: لَمْ يَظْهَرْ تَضَافُرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَاهَا عَلَى عَدَمِ الِانْطِبَاقِ جَوَابُهُ أَنِّي لَمْ أَدَعِ التَّضَافُرَ، وَإِنَّمَا قُلْتُ كَالْمُتَضَافِرَةِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَوْنِهِ مَجَازًا بَيْنَ نَافٍ مُطْلَقًا وَتَفْصِيلًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ آرَاءَهُمُ اقْتَضَتْ عَدَمَ دُخُولِهِ فِي حَدِّ الْمَجَازِ حَتَّى اضْطَرَبُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مِنْهُ نَوْعًا قَرِيبَ الدُّخُولِ فِيهِ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، وَأَنْوَاعًا بَعِيدَةً فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>