للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّائِلَ أَوْرَدَ قِسْمَيْنِ وَطَلَبَ تَعْيِينَ أَحَدِهِمَا - وَهُمَا - هَلْ هُوَ لِلْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ؟ فَعَيَّنَّا الْأَوَّلَ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ ثَلَاثَةَ إِلْزَامَاتٍ؛ عَلَى الْأَوَّلِ اثْنَانِ وَعَلَى الثَّانِي وَاحِدٌ، فَأَجَبْنَا عَنْ أَوَّلِ إِلْزَامِيَّةٍ بِمَنْعِ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْوَضْعِ وَالْإِطْلَاقِ، وَعَنِ الثَّانِي بِتَقْرِيرِ كَوْنِهِ وُضِعَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، فَانْدَفَعَ الْمَجَازُ كَمَا انْدَفَعَ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ الثَّالِثُ ضَرُورَةً، فَتَقْرِيرُنَا كَوْنَهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ عَيْنُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقِسْمَيْنِ الْمَطْلُوبِ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْعَامِّ وَغَيْرِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ الْمُورَدَيْنِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَأَيُّ تَنَاقُضٍ فِي هَذَا؟ وَقَوْلُهُ: فَاللَّازِمُ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَاقٍ بِحَالِهِ قَوْلٌ مَمْنُوعٌ بَلْ ذَهَبَ فِي الْغَابِرِينَ وَانْقَطَعَ فِي الدَّاحِضِينَ، أَمَّا الْإِطْلَاقُ فَيَمْنَعُ التَّلَازُمَ، وَأَمَّا الْمَجَازُ فَبِكَوْنِهِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَسَنَدُهُمَا مَا تَقَدَّمَ وَاضِحًا، وَبِهَذَا يَتِمُّ الْجَوَابُ وَيَتَّضِحُ الصَّوَابُ وَيَنْكَشِفُ الْحِجَابُ وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ.

قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: أَنَّهُ مَجَازٌ هُوَ اخْتِيَارُ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَقَدْ عَرَفَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى آخِرِهِ. أَقُولُ: قُصَارَى مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى قَوْلٍ مُفَصَّلٍ فِي مُقَابَلَةِ قَطْعِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّهُ مَجَازٌ، وَمَعْلُومٌ عِنْدَكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ الْأَقْوَالِ لَا يَكُونُ قَوْلٌ مِنْهَا وَارِدًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلْإِيرَادِ تَقْرِيرُ شُبْهَةٍ أَوْ إِلْزَامُ أَمْرٍ فَاسِدٍ، وَالسَّائِلُ قَالَ: وَرَدَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً فَلَمْ يُورِدْ إِلَّا الْقَوْلَ لَا الْإِلْزَامَ وَلَا الشُّبْهَةَ، وَهَذَا مَا لَا يَصْلُحُ إِيرَادُهُ، وَأَنَا لَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ قَطْعِ النَّاسِ بِأَنَّهُ مَجَازٌ إِلَّا بَحْثَ السبكي، فَلْنَذْكُرْ شُبْهَةَ هَذَا الْمُحَقِّقِ الْآخَرِ لِيُنْظَرَ فِي جَوَابِهَا وَدَفْعِهَا أَوْ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ مَا قَالَهُ السبكي مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ يُقَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوَّلًا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِنْ كَانُوا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْعَضُدِ وَنَحْوِهِ، فَكَلَامُهُمْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعَارَضَ بِهِ الْمَنْقُولُ عَنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ وَالتَّخْلِيَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ "أَطْبَقَ" تَهْوِيلٌ وَلَيْسَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ، كَيْفَ وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ذَلِكَ أَعْنِي أَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمُطَابَقَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ إِلَّا القرافي وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الأصفهاني فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ فَشَفَى وَكَفَى، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ مِنَ السُّؤَالِ الثَّالِثِ فَفِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَامَةَ الْمُتَوَاطِئِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بِأُمُورٍ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ عَلَامَةَ التَّشْكِيكِ الِاخْتِلَافُ بِأُمُورٍ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى لَيْسَتْ خَارِجَةً وَهَذَا مِمَّا لَمْ نَرَهُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ، أَقُولُ: نَحْنُ قَدْ رَأَيْنَاهُ فِي كَلَامِ القرافي جَزَمَ بِذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْجَانِبَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَانْظُرُوهُ تَجِدُوهُ، وَالْعُذْرُ لَكُمْ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ أَنَّكُمْ تَقْتَصِرُونَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>