للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ التَّعْرِيفَ حَصَلَ مِنَ الْوَضْعِ أَيْضًا لِأَنَّ (يَا) وُضِعَتْ لِتَعْرِيفِ الْمُنَادَى لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَرْدُودٌ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ (يَا) قَدْ تُوجَدُ وَلَا تَعْرِيفَ فِي نِدَاءِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ، وَالثَّانِي قَوْلُ النُّحَاةِ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُنَادَى الْمَقْصُودِ إِنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ وَالْمُوَاجَهَةِ كَاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَجَعَلُوهُ فِي مَرْتَبَتِهِ، فَهَذَا أَوَّلُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْإِشَارَةِ إِنَّمَا حَصَلَ بِالْمُوَاجَهَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ أَصْلِ الْوَضْعِ، فَهُوَ أَمْرٌ طَارِئٌ عَلَيْهِ وَحَادِثٌ بَعْدَهُ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ وَضْعِ الْإِشَارَةِ وَالْمُضْمَرِ كُلِّيًّا، وَكَوْنِهِ مَعْرِفَةً مُسْتَعْمَلًا فِي الْجُزْئِيِّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ وَالتَّنْكِيرَ لَا تَعْلُّقَ لَهُمَا بِالْوَضْعِ، وَإِنَّمَا هُمَا مِنَ الِاسْتِعْمَالِ قَوْلُ خَلَائِقَ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّ الْمُضْمَرَ قَدْ يَكُونُ نَكِرَةً وَذَلِكَ فِي الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِرُبَّ، وَقَوْلُ آخَرِينَ إِنَّ الضَّمِيرَ الْعَائِدَ عَلَى النَّكِرَةِ نَكِرَةٌ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ آخَرِينَ إِنَّ الْعَائِدَ عَلَى وَاجِبِ التَّنْكِيرِ كَالتَّمْيِيزِ نَكِرَةٌ، فَإِنْ تَخَيَّلْتَ أَنَّ التَّنْكِيرَ وَالتَّعْرِيفَ فِي الْمُضْمَرِ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ لَزِمَكَ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ وَتَعَدُّدُ الْوَضْعِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنْ سَلَّمْتَ أَنَّهُ حَادِثٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ الْمُدَّعِي، وَبِهِ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ عَنِ الْإِلْزَامِ، وَإِنْ قُلْتَ إِنَّهُ وُضِعَ مَعْرِفَةً وَاسْتِعْمَالَهُ نَكِرَةً عَارِضٌ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ فَبَعِيدٌ، مَعَ أَنَّهُ يُثْبِتُ مَدْعَانَا أَيْضًا بِطَرِيقِ قِيَاسِ الْعَكْسِ إِذْ لَا فَارِقَ، فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ الضَّمِيرَ وَاسْمَ الْإِشَارَةِ وُضِعَا لِلْمَعْنَى الْعَامِّ، وَعَدَمُ إِطْلَاقِهِمَا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ لِمَا عَرَضَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا لِأَمْرٍ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، وَهَذَا تَحْقِيقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كُلِّيٌّ وَضْعًا جُزْئِيٌّ اسْتِعْمَالًا، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ، وَانْدَفَعَ أَحَدُ الْإِلْزَامَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدَهُمَا السَّائِلُ، ثُمَّ بِتَقْرِيرِ كَوْنِهِ وُضِعَ لِلْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَالْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي آحَادِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْوَضْعِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، فَانْدَفَعَ الْإِلْزَامُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا فِي جَوَابِنَا مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ إِلَى آخِرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ اخْتِيَارُ قِسْمٍ ثَالِثٍ غَيْرِ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي كَلَامِ السَّائِلِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ السَّائِلِ، أَقُولُ: كَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ حَفِظَهُ اللَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِنَا تَنَاقُضٌ ثُمَّ جَزَمَ بِذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْنَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْمُعْتَرِضِ أَعَزَّهُ اللَّهُ أُحَاسِبُهُ بِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي كَلَامِ السَّائِلِ اللَّذَيْنِ مَا اخْتَرْنَا فِي التَّوْجِيهِ غَيْرَهُمَا لَيْسَا بِالْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ مَا اخْتَرْنَا فِي التَّعْيِينِ أَحَدَهُمَا، فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ هُمَا الْإِلْزَامَانِ الْوَارِدَانِ وَالْآخَرَانِ هُمَا الْمَلْزُومُ عَنْهُمَا الْمُورَدُ عَلَيْهِمَا فَلَا تَنَاقُضَ لِاخْتِلَافِ مَوْرِدِ الْقِسْمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>