ذاكرا للأخبار والحكايات، حسن الإيراد لها وقورا، ما رأيت أضبط لكتبه وروايته منه، ولا أشد تحفظا بها ورعاية لها. وكان لا يعير كتابا إلا لمن تيقن أمانته ودينه حفظا للرواية. وكانت له رواية كثيرة عن قاسم بن أصبغ وغيره بالأندلس قبل رحلته إلى المشرق ولم يكن قيدها ولا كتبها فلم يقدر عليه أحد من الناس أن يقرأ عليه في كتب أصحابه ولا في كتب شيوخه. وكان يقول: هذه الكتب قد تعاورتها الأيدي بعد أربابها فلا استحل أن أروي فيها.
وذكره الخولاني وقال: كان شيخا ذكيا، حافظا لغويا. من أهل العلم متقدما في الفهم. رحل إلى المشرق ولقي جلة من الناس. وسمع منهم وكتب عنهم بمكة وبمصر وبالشام. وكان قد تولى قراءة الفتوحات قديما لفصاحته وصدقه ونفاذه. وكان أسن ونيف على الثمانين بثلاثة أعوام وصحبه الذهن إلى أن مات رحمه الله.
وقال الحسن بن محمد: كان السلطان قد تخير أبا محمد بن أسد لقراءة الكتب الواردة عليه بالفتوح بالمسجد الجامع بقرطبة على الناس لفصاحته، وجودة بيانه، وجهارة صوتهن وحسن إيراده. فتولى له ذلك مدة قوته ونشاطه، فلما بدن وتثاقل استعفاه من ذلك فأعفاه ونصب سواه. فكان يندر في نفسه بعد عند ذكر الولاية والعزل فيقول: ما وليت لبني أمية ولاية قط غير قراءة كتب الفتوح على المنبر، فكنت أنصب فيه، وأتحمل الكلفة دون رزق ولا صلة، ولقد كسلت منذ أعفيت عنها وخامرني ذل العزلة.
وذكره ابن حيان وقال: كان حسن الحديث، فصيح اللسان، حلو الإشارة، غزير الإفادة، حاضر الجواب، حار النادرة. وأخباره كثيرة. وكان يستحسن الضرب في المصحف التماس البركة في دليل الاستخارة. يحكي عنه بعض أصحابه قال: أردت الركوب في البحر في بعض الأسفار على تكره من نفسي ففزعت إلى الضرب