ولم ير مثله بقرطبة من سعة الرواية وحفظ الحديث، ومعرفة الرجال والافتنان في العلوم إلى الأدب البارع والفصاحة المطبوعة. قل ما كان يلحن في جميع كلامه من غير حوشية مع حضور الشاهد والمثل. مولده في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة.
ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وثمانين فحج وأخذ عن شيوخ عدة فتوسع جدا.
وكان جماعا للكتب فجمع منها أكثر ما جمعه أحدٌ من عظماء البلد. وتقلد قراءة الكتب بعهد العامرية، واستقضاه محمد المهدي بكورة بلنسية. وكان: حسن الشعر والبلاغة والخط، وأخباره كثيرة رحمة الله.
أخبرني القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ غير مرة قال: أنا أبو بكر محمد ابن طرخان ببغداذ قال: أنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: نا أبو محمد علي بن أحمد الحافظ، قال: أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة وسألت الله تعال: الشهادة، ثم انحرفت وفكرت: في هول القتل، فندمت وهممت أن أرجع: فاستقيل الله ذلك، فاستحييت.
قال أبو محمد: فأخبرني من رآه بين القتلى ودنا منه، فسمعه يقول بصوت ضعيف: لا يلكم أحدٌ في سبيل الله: والله أعلم بمن يكلم في سبيله. إلا جاء يوم القيامة: وجرحه يثعب دما، اللون: لون الدم، والريح: ريح المسك. كأنه يعيد على نفسه الحديث الوارد في ذلك.
قال: ثم قضى نحبه على أثر ذلك رحمه الله، وهذا الحديث في الصحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن عمرو بن محمد الناقد، وأبي خيثمة زهير بن حرب، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم.