أبو العباس العذري ما رواه، وتولى الأحكام بقرطبة مدة طويلة. وكان دربا بها لتقدمه فيها، سالم الجهة فيها تولاه منها منفذا لها، من بيته علم ودين وفضل سمعنا منه وأجاز لنا بخطه ولم تكن عنده أصول وتوفي رحمه الله عشي يوم الخميس، ودفن عشي يوم الجمعة منتصف ذي الحجة سنة خمس عشرة وخمسمائة. ودفن بمقبرة ابن عباس وشهده جمعٌ كثيرٌ وصلى عليه أخوه أبو القاسم وقال لي: مولدي في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة. ثم وجدت مولده بخط أبيه رحمه الله قال: ليلة الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من العام المؤرخ.
عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بن محسن: من أهل قرطبة، يكنى: أبا محمد.
هو آخر الشيوخ الجلة الأكابر بالأندلس في علو الإسناد وسعة الرواية. روى عن أبيه وأكثر عنه، وسمع منه معظم ما عنده. وهو كان الممسك لكتب أبيه للقارئين عليه، فكثرت لذلك روايته عنه وسمع: من أبي القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي كثيرا من روايته وأجاز له سائرها، وأجاز له جماعة من الشيوخ المتقدمين. منهم: أبو محمد مكي بن أبي طالب المقرىء. وأبو عبد الله محمد بن عابد وأبو محمد عبد الله بن سعيد الشنتجيالي، وأبو عمرو السفاقسي، وأبو حفص الزهراوي وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر بن الحذاء والقاضي أبو عبد الله بن شماخ النافقي، وأبو عمر بن مغيث، وأبو زكرياء القليعي وغيرهم: وأجاز له أبو مروان بن حيان المؤرخ كتاب الفصوص لصاعد عن مؤلفه صاعد. وقرأ القرآن بالسبع على أبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرىء وجوده عليه، وكثر اختلافه إليه. وكان حافظا للقرآن العظيم، كثير التلاوة له عارفا برواياته وطرقه، واقفا على كثير من تفسيره وغريبه ومعاينه، مع حظٍ وافر من اللغة والعربية. وتفقه عند أبيه وشوور في الأحكام بعد بقية عمره. وكان صدرا فيمن يستفتي لسنه وتقدمه.