للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ معناه: وقت الحج هذه الأشهر. فهي وإن كانت «فِي» تصلح فيها فلا يقال إلا بالرفع، كذلك كلام العرب، يقولون: البرد شهران، والحرّ شهران، لا ينصبون لأنه مقدار الحج. ومثله قوله: «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ» «١» ولو كانت الأشهر أو الشهر معروفة على هذا المعنى لصلح «٢» فِيهِ النصب. ووجه الكلام الرفع لأن الاسم إذا كان فِي معنى صفةٍ «٣» أو محل قوى إذا أسند إلى شيء ألا ترى أن العرب يقولون: هُوَ رَجُل دونك وهو رَجُل دون، فيرفعون إذا أفردوا، وينصبون إذا أضافوا. ومن كلامهم المسلمون جانب، والكفار جانب، فإذا قَالُوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا. وذلك أن «٤» الصاحب يدل على محل كما تقول: نحو صاحبهم، وقرب صاحبهم. فإذا سقط الصاحب لم تجده محلا تقيده قرب شيء أو بعده.

والأشهر المعلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. والأشهر الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. وإنما جاز أن يقال له أشهر وإنما هما شهران وعشر من ثالثٍ لأن العرب إذا كان الوقت لشيء يكون فِيهِ الحج وشبهه جعلوه فِي التسمية للثلاثة والاثنين، كما قال اللَّه تبارك وتعالى: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ» وإنما يتعجل فِي يومٍ ونصف، وكذلك هُوَ فِي اليوم الثالث من أيام التشريق وليس منها شيء تام، وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هُوَ يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائزٍ فِي غير المواقيت لأن العرب قد تفعل الفعل فِي أقل من الساعة، ثُمَّ يوقعونه على اليوم وعلى


(١) آية ١٢ سورة سبأ.
(٢) ذلك أن الظرف سبيله عنده أن يكون معروفا حتى يصح التوقيت به، فالنكرة غير المحصورة لا تصلح لذلك.
(٣) الصفة هنا الجارّ والمجرور. والمحل الظرف.
وهذا عند الكوفيين.
(٤) فى أ: «لأن» .